أعطى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، يوم الخميس الماضي بالرباط، انطلاقة الشطر الثاني من مشاريع برنامج جبر الضرر الجماعي، الذي يهم المناطق التي احتضنت مراكز اعتقال سرية أو عرفت أحداث عنف انتهكت فيها حقوق الإنسان في وقت سابق، في إطار تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة. وإذا كان عدد مشاريع هذا الشطر، وصل إلى 83 مشروعا، فإن توزيعها الجغرافي طبعه التباين والاختلاف من منطقة إلى أخرى، الشيء الذي خلف ردود فعل متباينة من لدن عدد من الجمعيات الحقوقية، ليس فقط على مستوى المناطق المستفيدة من مشاريع هذا الشطر، وإنما أيضا على صعيد الجمعيات المحلية التي قَبِل مجلس حرزني تمويل مشاريعها في إطار هذا البرنامج، الذي يتقدم الاتحاد الأوربي قائمة مموليه. ويؤكد مصطفى المانوزي، رئيس المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، على ضرورة تنفيذ برنامج جبر الضرر الجماعي بشكل ينسجم مع السياسة العامة للبلاد، لضمان تحقيق هدف التنمية المستديمة، داعيا إلى فتح المجال أمام المناطق التي تعاني في الوقت الراهن وأضحت استفادتها من برامج تنموية ضرورة ملحة، كقبائل أيت عبدي ببني ملال، بدل الاقتصار فقط على المتضررين من انتهاكات الماضي، رغم أن هذا البرنامج يندرج في إطار تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، التي اقتصرت على ملفات انتهاكات وقعت ما بين 1959 و1999. وبخصوص اختيار مشاريع الجمعيات، انتقد المانوزي إقصاء بعض الجمعيات الحقوقية من الاستفادة من مشاريع هذا البرنامج. في حين أوضح أحمد توفيق الزينبي، رئيس شعبة الشؤون الجهوية والحقوق الجماعية بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، الذي يشرف على تنفيذ هذا البرنامج ميدانيا، أن المجلس وضع معايير دقيقة لانتقاء المشاريع التي تقدمت بها عدة جمعيات من مختلف مناطق المغرب، وحصر هذه المعايير في مجال التدخل، الذي يتعلق حسب الزينبي، إما بالتكوين، أو الحفظ الإيجابي للذاكرة أو تقوية قدرات الفاعلين المحليين، بالإضافة إلى المحافظة على البيئة، «وكل ما من شأنه أن يحسن شروط عيش الساكنة» على حد تعبير الزينبي في حوار سابق مع «المساء». واستثنى مجلس حرزني الجمعيات ذات الطابع الوطني من الاستفادة من برنامج جبر الضرر الجماعي، حيث جعل الاستفادة من مشاريعه حكرا على الجمعيات المحلية التي تنشط في المجالات سالفة الذكر وتشتغل في المناطق المعنية بهذا البرنامج، حسب كل شطر، شريطة مساهمة كل جمعية بنسبة 10 في المائة من ميزانية المشروع. مشاريع الشطر الثاني من جبر الضرر الجماعي، ستنجز في كل من فكيك، الرشيدية، ورزازات، زاكورة، أزيلال، طانطان، الخميسات، الحي المحمدي بالدار البيضاء، الحسيمة، الناظور وخنيفرة، علما أن اختيار المناطق المستفيدة من جبر الضرر الجماعي يتم على أساس معياري وجود مراكز اعتقال سرية في هذه المناطق أو تعرضها للعقاب الجماعي في أحداث عنف عرفت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وكان لافتا استئثار الشرق، ممثلا في إقليمي فكيك والرشيدية بأكبر عدد من مشاريع هذا الشطر، حيث حظي إقليم فكيك ب11 مشروعا من أصل 83، واحتل أيضا المرتبة الأولى على مستوى الميزانية المخصصة للمناطق المعنية بهذه المشاريع بما يفوق 5 ملايين درهم بقليل من إجمالي ميزانية مشاريع جبر الضرر الجماعي. إقليمالرشيدية، الذي ضم معتقل تازمامارت، استفاد من العدد نفسه من المشاريع، أي 11 مشروعا، بميزانية وصلت إلى 4 ملايين و789 ألف درهم. بينما سجل أقل عدد من المشاريع في إقليم تادلة أزيلال، حيث ستنجز فيه 3 مشاريع، تهم بالأساس، إدماج المرأة القروية في محيطها السوسيواقتصادي وتقوية قدرات الفاعلين المحليين في الأربع جماعات المعنية بهذه المشاريع في هذا الإقليم. وفيما يخص أهداف هذه المشاريع، فإن الأنشطة المدرة للدخل تتصدر قائمة هذه المشاريع ب 32 مشروعا، من إجمالي المشاريع البالغ عددها 83 مشروعا، متبوعة تقوية قدرات الفاعلين المحليين ب26 مشروعا، ثم الحفظ الإيجابي للذاكرة ب16 مشروعا، في حين قبل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان 3 مشاريع في كل من النهوض بالحقوق الإنسانية للمرأة والطفل ومشاريع البنيات التحتية الأساسية، بالإضافة إلى حماية البيئة. كما أن بعض الهيئات المدنية الحقوقية، وفي مقدمتها المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، تبدي تحفظات كثيرة تجاه تصدر الاتحاد الأوربي قائمة ممولي مشاريع جبر الضرر الجماعي، محذرة من أن تكون تلك الأموال مقرونة بشروط على شاكلة الأموال التي يحصل عليها المغرب في إطار الوضع المتقدم، أو القروض التي يمنحها له كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وبالإضافة إلى الاتحاد الأوربي والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، تساهم كل من وزارة الداخلية، ووكالة تنمية الأقاليم الشرقية، بالإضافة إلى مؤسسة صندوق الإيداع والتدبير، دون إغفال نسبة 10 في المائة التي ينبغي أن تساهم بها كل جمعية كما سبقت الإشارة إلى ذلك. انتقادات الجمعيات الحقوقية، تهم أيضا تتبع إنجاز هذه المشاريع، حيث تقل من فعالية التنسيقيات الإقليمية التي أحدثها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان للقيام بهذا الدور، في الوقت الذي يقول فيه أحمد توفيق الزينبي إن المجلس لا يكتفي فقط بتتبع سيرورة إنجاز مشاريع جبر الضرر الجماعي من خلال هذه التنسيقيات فقط، بل يعمل أيضا على عقد لقاءات وطنية، مرتين في السنة، لتقييم وتيرة إنجاز هذه المشاريع، بالإضافة إلى تكليف خبراء، قد يكونون مغاربة أو أجانب، بإنجاز تقييم خارجي لهذه المشاريع كل سنتين.