تنشغل النساء وخاصة الفتيات في مقتبل العمر بإيجاد الأجوبة للعديد من المشاكل الصحية التي تواجههن في حياتهن اليومية. البروفيسور خالد فتحي المختص في أمراض النساء والتوليد يجيب عن هذه الأسئلة المحيرة. - عمري 29 سنة، حامل في الشهر الثاني، مشكلتي أنني أعاني من قيء شديد خصوصا عندما ينفث زملائي في العمل سجائرهم في وجهي. لقد أثر علي هذا القيء كثيرا، ترى هل سيصاحبني طيلة رحلة الحمل؟ أم سيختفي بعد مدة من الزمن؟ ثم ما هي أولا أسبابه؟ وما هي مضاعفاته؟ وما هي طرق العلاج وأساليب الوقاية منه؟ وفي الأخير أود أن أعرف هل يؤثر الحمل نفسيا على المرأة، فأنا تنتابني أسئلة غريبة وأحيانا تكون غير واقعية. تستطيع أغلب النساء العلم بحملهن بمجرد ما أن تنتابهن بعض الأعراض والمشاعر، وذلك دون الحاجة إلى إجراء فحص طبي يكون في حالة إجرائه تأكيديا لا غير وقد لا تفلح بعضهن في وصف ما يجري عندهن لكنهن مع ذلك يقلن لك بأنهن حوامل. فقط لأنهن تغيرن أو لسن على ما يرام هكذا باقتضاب وبحجج مبهمة تعلن المرأة بفصاحتها الخاصة أنها حامل، بل قد تحس بالحمل حتى قبل أن تتأخر عادتها الشهرية ،لأن هناك حاسة داخلية لديها تضبط كل شيء وتتوقع وتتنبأ بكل شيء، لكن تبقى هذه مجرد ارتسامات فقط قد لا يتبينها المرء إلا بعد طول ممارسة، فما هي يا ترى تلك الأعراض الملموسة خلال الحمل، وما هي المتاعب الصغيرة التي يفرضها الحمل على المرأة؟ فالحمل ليس مرضا بل هو جهد وعناء يلقي بأعباء جديدة على جسد الحامل لا تقدر عليها دائما. إن التكيف مع الحمل يترافق دوما مع عدم شعور بالراحة قد يعوزنا أحيانا إيجاد علاج حاسم له، وذلك بسبب وجود الجنين أو بسبب المرحلة التي بلغها الحمل لأن الأدوية لا تخلو من أضرار على ذلك الجنين. التغيرات التي يسببها الحمل تتكيف وظائف الجهاز الهضمي مع الحمل منذ بدايته، فقد أظهرت الأبحاث لدى أنثى الفأر ارتفاعا في حجم البنكرياس وتحسنا في وظيفة الامتصاص على مستوى الأمعاء من خلال ارتفاع مساحتها وتأخر سرعة عبور الطعام، هذه الملاحظات تم تسجيلها أيضا لدى النساء اللائي يتوفرن على أمعاء قصيرة الطول إما بسبب عيب خلقي أو بسبب استئصال جزئي. ويعزى هذا التحسن بالخصوص إلى هرمون (البروجسترون)، لكنه بالمقابل يخلق حالة من سوء الهضم ويعطي شعورا بالانتفاخ بعد الأكل في مستهل الحمل. كما أن هناك أيضا ارتجاع معدي نحو المريء عند نهاية الحمل متزامن مع انخفاض الضغط أسفل المريء. ونسجل كذلك تغييرات هرمونية كبيرة، فارتفاع تركيز هرمون الحمل (HCG) مسؤول عن الغثيان والقيء وحالة القرف المصاحبة لهما ،أما ارتفاع هرمون الأستروجين فيسبب أيضا نفس المشكلة ويضيف إليها مشكلة ارتخاء أوردة الساقين، مما يرفع الضغط بداخلهما، فتشعر المرأة بثقلهما أو ترى بروز دوالي لم تعهدها قبل الحمل، وقد يتفاقم الأمر عند وضع الوقوف مما يخنق نسبيا العضلات فتشعر المرأة بالآلام في هذه العضلات. هناك تغييرات أيضية (Metaboliques ) مهمة تنجم عن الحمل، لكن لم يثبت إلى اليوم أي نقص في مادتي الفوسفور أو الكالسيوم بينما تنخفض نسبة المنغنيز مما يسبب بعض الآلام. يتأثر توازن الحامل بسبب الرحم الممتلئ خصوصا في الثلاثة أشهر الأخيرة،إذ إن انتقال مركز التوازن نحو الأمام يؤثر على العمود الفقري، كما إن ارتخاء الأربطة والأحزمة في المفاصل يغير طريقة المشي التي تشبه مشية طائر الكنار، وقد تحصر وتضغط على الألياف العصبية لعصب النسا مما يسبب آلاما على مستوى الظهر والأطراف السفلى. التغيرات النفسية نقسم الحمل إلى 3 مراحل، الفصل الأول ويتميز بحالة من الالتباس فالمرأة عن وعي أو حتى عن غير وعي منها تسعى نحو الاحتماء من هذا الوضع الطارئ. كيف لا وهي ترى خريطة جسمها قد تغيرت، وكيف لا والقلق يداهمها بل ويستبد بها؟ فهي لا تنفك تتساءل هل سيكتب لهذا المشروع النجاح؟ هل سيصل لنهايته ؟ألن يكون هناك إجهاض؟ هلسيكون الطفل سليما؟ هل سينتزع موقعه داخل المجتمع؟؟ لكن بالمقابل تنبجس عندها أيضا مشاعر إيجابية؟ فهي ترى أيضا أن الحمل علامة على اكتمال الأنوثة، وعلى المساهمة من جانبها في تعمير الأرض، وعلى فلاحها في تأمين استمرار السلالة . فتشعر في قرارة نفسها بالرضى وبأنها ذات فضل على المجتمع. في الفصل الثاني تبلغ المرأة مرحلة التناغم والانسجام مع حملها، فقد نضجت أكثر ونضجت لديها حتى مفاهيم الحمل المشوشة الأولى، وكيف لا؟ وهي تحس جنينها يتحرك في أحشائها، يركلها من حين لآخر فيعلن لها عن وجوده هنا بداخلها. أما الفصل الثالث: فيعني دنو أجل الاختبار، واقتراب جني ثمار كل هذا التعب، فيعود القلق من جديد بسبب ترقب النتائج فيصبح الحمل مصدر إزعاج مرة أخرى. بعد ذلك عندما تضع المرأة بسلام، تبدأ مرحلة النفاس بمشاكلها فمنذ اليوم 4 أو 5 تظهر مرحلة اكتئاب ذات جذور هرمونية سرعان ما تنتهي، لكن المرأة قد تغرق أحيانا في بحر من الأسئلة المربكة، فتشعر بثقل مسؤولياتها الجديدة التي تتجاوزها أحيانا، فلا تدري حقيقة ما تفعله. تغييرات الجهاز الهضمي الغثيان والقيء: إنها المتاعب الصغيرة الأكثر شيوعا، لا ندري لها أسبابا محددة لكن الأبحاث تشير إلى مسؤولية الارتفاع الكبير في نسبة هرمون الحمل وإلى اختلالات العمليات الإيضية الخاصة بالأستروجين داخل الكبد، في حدوث هذا التقيؤ. بالإضافة إلى هذا، لاحظنا استعدادا نفسيا لدى بعض النساء بسبب توترهن الدائم أو عدم رغبتهن في الحمل أو لتعودهن على القيء بسهولة، ومع ذلك فلا سبب عضويا يفسر هذا القيء. تصيب هذه الظاهرة 55% من مجموع الحوامل 10%فقط منها تحتاج إلى علاج فعلي. تظهر هذه الأعراض في الأسبوع 4 أو 6 للحمل مع ذروة في الأسبوع 8 و12 وتتعافى بين الأسبوع 15 و17. ويمثل القرف والرغبة في الغثيان العارض الأكثر حدوثا خصوصا في فترة الصباح، لكنهما يعاودان الاختفاء بمجرد تناول الفطور، وأحيانا يترافقان مع فرط إفراز اللعاب وفي مرات عديدة يتطوران إلى قيء بسبب حساسية تجاه بعض الأغذية. لا علاقة لظهور هذا القيء بعرق المرأة وإثنيتها. لكن له علاقة ببعض المأكولات كاللحم والسمك في الدرجة الأولى والشاي والقهوة ودخان السجائر بدرجة ثانية، لكن أذواق الشعوب تختلف فتختلف مسببات القيء لدى الحوامل نتيجة هذا الاختلاف في ثقافة الأكل. في الحالات العادية لا يتأثر جسم المرأة ولا تتدهور صحتها العامة، فلا هزال ولا اجتفاف لديها، لكن لا ارتفاع في الوزن نسجله بمناسبة الحمل أيضا، أما عندما يتفاقم القيء فتظهر الخطورة ويشتد الهزال وتسير المرأة نحو حالة القيء المستعصي الذي تستحيل معه التغذية عبر الفم حيث تكثر نوبات هذا القيء الذي قد يتقرح دما. وخصوصا عندما تتقيأ المرأة وبطنها فارغة. يكثر كذلك لعاب الفم ويصبح اللسان يابسا جافا، وتفوح من المرأة رائحة الأمونياك، كما قد تتقرح لثة أسنانها وينخفض وزنها بشكل مفاجئ وقد يصل هذا الانخفاض إلى3 كلغ في الأسبوع، يؤدي كل هذا إلى حالة جفاف والى ندرة البول لأن الجسم يريد أن يواجه هذا الوضع بالاحتفاظ بكل مياهه، فإذا لم تتم مباشرة الحالة بسرعة تتدهور الحالة العامة للمرأة سريعا مع هبوط حاد في ضغط الدم، مما قد يؤدي لوفاة الحامل. أما من الناحية البيولوجية فنرصد انخفاضا في تركيز المعادن في الدم واضطرابا في وظائف الكبد . تطور القيء خلال الحمل تنتهي كل هذه المتاعب مع القيء في الحالات العادية ما بين الأسبوع 12 و18 لكن استمرارها بعد هذا الأجل يجب أن يحثنا على البحث عن سبب عضوي كوجود فتق في المعدة أو حصى في المرارة، لذلك تخضع المرأة لفحص بالصدى بحثا عن الحصى ونرى كذلك إن كان حملها توأميا أو حملا بمشيمة مريضة فهذان الحملان معروفان بفرط إفراز هرمون الحمل وبالتالي بكثرة القيء. أصبح الآن مآل القيء المستعصي جيدا وذلك بفضل تقدم العناية الطبية، لكن يطرح مشكل مصير الجنين, ولحسن الحظ فإن القيء المصاحب للحمل يترافق مع انخفاض في نسبة الإجهاض التلقائي وموت الأجنة، كذلك لم يثبت أبدا أن له علاقة بالتشوهات الخلقية أو ارتفاع نسبة الوفيات بين المواليد الجدد أو سوء نمو وضمور الجنين بالرحم. العلاج يتم العلاج بتناول مضادات التقيؤ. لكن لها مضاعفات جانبية. وعموما ننجح في علاج القيء المستعصي لأننا نتجند له. وقد نتعثر في علاج القيء العادي لأننا لا نتدخل بقوة بل نوازن بين ما تجنيه المرأة من راحة وما قد نرميها به من آثار جانبية، وأحيانا ينبغي أن نجبر المرأة على التوقف عن العمل لتخليصها من مؤثرات المحيط أو لخطورة نوبات القيء والهزال الشديد. يجب أيضا اتخاذ بعض التدابير الوقائية، كتقسيم الأكل إلى وجبات صغيرة وحذف المواد التي لا تستسيغها المرأة وتعويضها بأخرى، فإذا كانت مثلا لا تطيق اللحم نعوض بروتيناته بالحليب والبيض ... الخ. كذلك ينبغي تجنب المواد النشوية والمواد الغنية بالدهون، وتناول مستحضرات فيتامينية إذا كان الغذاء يفتقر للخضر والفواكه، هذا بالإضافة إلى الابتعاد عن الشره لكي لا يزيد وزن المرأة. وإذا كان عدم تقبل الأكل عاما في الصباح يمكن إعطاء المرأة أغذية نصف سائلة كعصير الليمون، الموز، الحليب الممزوج بالعسل، البيض، الرايب.. إلخ إن امتصاص هذه المواد يكون سريعا كما أنها تنقص من حركية المعدة وتحفز تفريغ الجهاز الهضمي. هناك الكثير من الأدوية المضادة للقيء لكن عيبها أنها تسبب الميل إلى النعاس وتقلل من قوة الانتباه، كذلك جرب بعض الأطباء تقنية أو فن الوخز بالإبر وحصلوا على نتائج جد مشجعة، كما ثبت أن هؤلاء النساء يحتجن في الغالب لدعم أو علاج نفسي. يحتاج القيء المستعصي إلى مكوث المرأة بالمستشفى لمدة 48 ساعة مع عزلها ومنعها من تناول الطعام مع تغذيتها بالوريد لإصلاح اختلالات الأملاح المعدنية في دمها وتصحيح نسبة الماء بجسمها، يتم كذلك حقنها ببعض الأدوية والفيتامينات وبعض الأدوية المهدئة للجهاز العصبي، تتم إعادة التغذية عبر الفم خلال 48 ساعة واستبدال الحقن بالأقراص فتتماثل المرأة للشفاء ولا يعاودها القيء في أغلب الأحيان.