في الوقت الذي كان الطفل كمال العمراني، ذو ال13 سنة، يرقد في غرفة الإنعاش في المستشفى الجامعي الحسن الثاني في فاس، وهو في وضعية حرجة، بعد تعرضه لإصابات بليغة في مختلف أنحاء جسمه، بعد محاولة انتحار فاشلة من على سطح بناية سكنية في أحد الأحياء الشعبية، حوَّلت أطراف متنازعة من عائلته إحدى فضاءات الاستقبال في قسم الأم والطفل في المستشفى إلى ساحة لتبادل الاتهامات واسترجاع التاريخ لإلقاء مسؤولية محاولة انتحار الطفل على الطرف الآخر. كمال، الذي غادر الدراسة في السنة الرابعة من التعليم الابتدائي، سبق له، في السنة الماضية، أن حاول الانتحار بإلقاء نفسه من الطابق الثاني من بناية سكنية، وأدخل على إثر هذه المحاولة الفاشلة إلى المستشفى، حيث تلقى العلاجات دون أن يكملها، بسبب عدم توفر والدته على الإمكانيات المادية المطلوبة. لكن هذه الإصابات التي تلقاها لم تُثْنِه عن إعادة الكَرّة، ما نجم عنه هذه المرة إصابات حرجة على مستوى الرأس والأذن والعين والفم والرئة والحوض والرجلين. أم الطفل، وفاء مزيان، والتي تقول إنها تضطر إلى العمل ليل نهار لإعالة أسرتها الصغيرة المكونة من ابن وبنت، تلقي باللوم على الزوج الذي غادر المغرب نحو إيطاليا منذ حوالي 10 سنوات، دون أن يكلف نفسه عناءَ السؤال عن ابنيه ودون أن يتكلف بتوفير الحد الأدنى من شروط الحياة الكريمة لهما. وتقول إن ابنها الذي حاول الانتحار كان، قبل أن يُقْدِم على فعلته، قد نفّذ محاولة فاشلة للاتصال عبر الهاتف بأبيه، لكن هذا الأخير رفض استقبال مكالمته، مما دفعه إلى الصعود إلى سطح بناية سكنية في حي سيدي بوجيدة الشعبي، المجاور لفاس العتيقة. في حين حاولت فيه أخت الزوج أن تنفي تهمة الإهمال عن عائلتها، موردة أن العائلة تحاول بدورها استرجاع الابن من غربته في إيطاليا ليعانق أهله من جديد ويتمكن من رؤية أولاده، لكن الظروف النفسية التي يعانيها بسبب فشله في اختيار شريكة حياته هي التي تدفعه، في كل مرة، إلى تأجيل هذه العودة، متهمة أم الطفل بعدم الحرص على توفير الظروف الملائمة لابنها. وفي وقت يشتدّ تبادُل التُّهَم بين الطرفين المتنازعين، يعاني الطفل من إصابات بليغة على مستوى الجسد ومن عُقَد نفسية عميقة، بسبب أوضاع أسرته المفككة. وأكدت خلية النساء والأطفال ضحايا العنف داخل المستشفى الجامعي الحسن الثاني أنها تبنّتْ هذا الملف وستعمد إلى متابعته مع جميع المتدخلين لإنقاذ حياة الطفل وأخته ومساعدتهما على إدماج أفضل في الحياة الاجتماعية. وقالت فاطمة العلمي، رئيسة هذه الخلية التي تأسست في السنة الماضية، إنها، وإلى جانب التدخل لمساعدة الطفل في مجانية الاستفادة من تلقي العلاجات الضرورية، فإنها ستتدخل لمساعدته على تلقي علاج نفسي يُمكِّنه من تجاوز المحن الداخلية التي يعانيها، بسبب تفكُّك عائلته. وأوردت أن الخلية، في مثل هذه الحالات، تعمد إلى فتح «تحقيق» من شأنه أن يساعد في ملامسة حقيقة الوضع الاجتماعي قبل أن تقرر، بتنسيق مع جهات رسمية لها السلطة في مثل هذه الحالات، في ما إذا كانت ستُحيل الطفلَ على أحد مراكز رعاية الطفولة أو ستعيده إلى طرف من أطراف أسرته المتنازعة، لكنْ ب«دفتر تحملات» واضحة، مع متابعة وضعه. وقد سبق لهذه الخلية، طبقا لما قالته رئيستها، أن استقبلت حوالي 20 حالة منذ إحداثها، وأغلبها حالات صادمة تتعلق في جزء كبير منها بأطفال متخلى عنهم وبنساء عازبات ونساء مشردات.