يبدو أن متلازمة كورونا طويل الأمد مازالت تخفي في جعبتها الكثير، حيث بات يشكو بعض الأشخاص المتعافين من الإصابة بفيروس كوفيد-19 من شم روائح كريهة وأحيانا مثيرة للاشمئزاز حتى بعد مرور عدة أشهر على شفائهم، حالة غريبة تصيب هؤلاء وتؤثر بشكل كبير على نوعية الحياة، فأصبحت مثلا رائحة الليمون شبيهة بالكبريت، ورائحة البسكويت تميل إلى البيض الفاسد. وفي الوقت الذي يستعيد أغلب المصابين بكورونا حاستي الشم والتذوق في غضون أسبوع إلى أسبوعين بعد التعافي من الفيروس، يعاني آخرون من أعراض محتملة من كوفيد طويل الأمد من بينها اضطرابات حاسة الشم أو ما بات يطلق عليه بال"باروسميا"، وهو خلل يصيب وظيفة الخلايا العصبية الحسية الشمية والذي قد يمتد لعدة شهور. وأشار تقرير نشره موقع "هيلث لاين Healthline" حول باروسميا إلى أن الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بهذه الحالة الغريبة بعد التعافي من كورونا هم الذين كان فقدان حاسة الشم والتذوق أحد أعراض كوفيد-19 الحادة لديهم أثناء الإصابة. وفي السياق ذاته، أكد الطيب حمضي، الطبيب الباحث في السياسات والنظم الصحية، أنه إلى جانب Parosmie هناك نوعان آخران من اضطرابات حاسة الشم قد تظهر في متلازمة كوفيد طويل الأمد، وهما Anosmie وPhantosmie، حيث يفقد المصابون بالنوع الأول حاسة الشم تماما ولا يتعرف الدماغ على الروائح المقدمة له بتاتا، في حين يشم المصابون بالنوع الثاني رائحة كريهة دون وجود أي نوع من الروائح أو ما يعرف بالهلوسة الشمية. بالمقابل، يعاني المصابون بال"باروسميا" من تغييرات مزعجة في حاستي الشم والتذوق بحكم ارتباطهما الوثيق، مما يؤدي إلى فقدان الشهية، وبالتالي إلى مشاكل صحية خاصة لدى الأطفال الذين لا يقدرون التعبير عن ما يحدث لهم جراء الإصابة بهذا الخلل حيث ينفرون من الطعام بسبب الرائحة المقززة، وشدد حمضي على الانتباه جيدا لما يعانيه الأطفال في هذه الحالة. وفي غياب معطيات علمية كافية لفهم وتحليل الظاهرة، يرجح المصدر ذاته في تصريح ل"الصحراء المغربية" أن سبب هذا الاضطراب يعود إلى إتلاف المستقبلات العصبية لحاسة الشم في التجويف الأنفي أو بالمنطقة المسؤولة عن حاسة الشم بالدماغ بشكل مباشر عن طريق فيروس كوفيد-19، أو بشكل غير مباشر نتيجة لتأثير عاصفة السيتوكين أو الالتهاب العام الذي يحدث بعد الإصابة بالمرض. وأوضح حمضي أن الخلايا العصبية المسؤولة عن حاسة الشم لا تشفى بالسرعة والدرجة نفسيهما وهو ما يفسر الحالة الغريبة التي يعاني منها المصابون ب"باروسميا"، حيث تتعرف بعض الخلايا المعافاة على جزء واحد من الأجزاء التي تدخل في تكوين رائحة ما، وبالتالي لا تكتشف جميع المكونات وتعجز عن إدراك ماهية الرائحة وترجمتها إلى العقل بالطريقة الصحيحة. وأشار المصدر ذاته إلى أن الترويض يبقى السبيل الوحيد لاسترجاع حاستي الشم والتذوق بشكل طبيعي، وذلك بتدريب المستقبلات العصبية المسؤولة عن هاتين الحاستين عن طريق استنشاق روائح قوية مرتين في اليوم حتى تتلاشى هذه الاضطرابات الحسية الشمية، وقد يتطلب الأمر أسابيع إلى شهور.. يذكر أن دراسة حديثة شملت 268 شخصا أصيبوا بال"باروسميا" بعد التعافي من كورونا، كشفت أن العمر والجنس يلعبان دورين مهمين في الإصابة بهذا الخلل، حيث توصل الباحثون إلى أن 70 في المائة من المصابين كانوا في سن 30 أو أقل، و73،5 منهم من الإناث.