يبدو أن أزمة فرض الإدلاء ب "جواز التلقيح" من أجل الولوج إلى المحاكم، واحتجاجات المحامين حول الدورية الثلاثية لوزارة العدل والسلطة القضائية والنيابة العامة التي أقرتها، تتجه نحو الانفراج، في ظل رسم معالم حل توافقي انطلقت بوادره أمس الثلاثاء. فبعد أن استمر احتجاج محامي المملكة للأسبوع الثاني على التوالي داخل المحاكم رفضا لمضمون الدورية، مطالبين ب "إنهاء التطويق الأمني للمحاكم وإلغاء الدورية أو التراجع عنها"، خرج وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، عن صمته داعيا، أمس، المحامين إلى "الالتزام بتطبيق القانون القاضي بإلزامية الإدلاء بجواز التلقيح ضد كوفيد-19 قبل ولوج المحاكم"، معربا أن رغبة الوزارة تنحصر فقط في "تطبيق القانون"، داعيا إلى "العمل بشكل مشترك من أجل مراقبة عملية الإدلاء بجوازات التلقيح قبل ولوج المحاكم". الاتجاه نفسه ذهبت إليه السلطتان المشاركتان في إصدار الدورية الثلاثية، ففي الوقت الذي كان الوزير يدلي بجوابه داخل قبة البرلمان، كان اجتماع استثنائي هو الأول منذ بداية هذه الأزمة، يجمع الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئيس النيابة العامة بعبد الواحد الأنصاري، رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب وممثلين عن مكتب الجمعية، داخل مقر المجلس الأعلى بالرباط، تحضيرا لجلسة حوار مرتقبة مع ممثلي السلطتين القضائيتين كما أشرنا إلى ذلك في مقال سابق. اجتماع دام لأزيد من ساعتين، حسب ما استقته "الصحراء المغربية" من معطيات، خلص إلى إصدار بلاغ مقتضب ركزت فيه الجمعية على ثلاثة نقاط أساسية، تمثلت في "التشبث بمبدأ استقلالية المحاماة مع التأكيد على أن المؤسسات المهنية هي صاحبة الاختصاص في تدبير شؤون المحامين والمحاميات بما في ذلك ضمان وتأمين الولوج إلى المحاكم وبما لا يتعارض مع الأمن الصحي"، وهو ما يسند، حسب البلاغ "أمر تدبير ولوج المحامين إلى المحاكم للمؤسسات المهنية بشكل كامل ومستقل"، ثم "التأكيد على موقفها بشأن الجواز الصحي واستعدادها الكامل للدفاع عنه بجميع الوسائل القانونية التي يكفلها التشريع المغربي"، و"الإشادة بالمواقف المهنية للمحامين خلال هذه المحطة". البلاغ الذي اطلعت "الصحراء المغربية" على مضمونه، أشار إلى أن "الرئيس المنتدب للسلطة القضائية ورئيس النيابة العامة عبرا خلال الاجتماع عن حرصهما على تحصين استقلالية مهنة المحاماة" في الوقت الذي أكد رئيس الجمعية على "مواقفها بشأن الجواز الصحي وعلى استقلالية مهنة المحاماة"، واستعداد الجمعية لمناقشة الحلول الممكنة والكفيلة بالخروج من الأزمة وإيجاد حل توافقي. من جانبها، وبعد تعميمها ل "هاشتاغ" "#لا لإجبارية جواز_التلقيح #لن نرضى إلا بسحب الدورية_الثلاثية"، الذي استجابت له فئة عريضة من المحامين الشباب، عقدت فدرالية جمعيات المحامين الشباب بالمغرب، مساء اليوم نفسه "الثلاثاء"، اجتماعا حضوريا طارئا بالقنيطرة، لمناقشة الأزمة، والتداول بخصوص الخطوات النضالية التصعيدية المقبلة. الاجتماع الطارئ، خلص إلى إصدار بلاغ مطول وإن كانت فدرالية جمعيات المحامين الشباب بالمغرب عنونته ب "بلاغ معركة الكرامة"، مؤكدة أن "ما لا يتحقق بالنضال يتحقق بمزيد من النضال"، إلا أن مضمونه يتجه نحو الرغبة في إيجاد حل توافقي، وذلك من خلال تأكيد مكتبها الفدرالي، على "المطالبة بالتراجع الفوري عن الدورية كمدخل أساسي لإبداء حسن النية في فتح حوار جدي ومسؤول حول مطالب المحاميات والمحامين المشروعة والمحددة في توصيات مؤتمراتهم ولقاءاتهم الوطنية". المحامون الشباب عبروا أيضا، في البلاغ الذي تتوفر "الصحراء المغربية" على نسخة منه، عن "عزمهم خوض شكل نضالي غير مسبوق في حال استمرار تأزم الوضع، مؤكدين عزمهم إحاطة المؤسسات والمنظمات الحقوقية الوطنية والدولية علما بما وصفوه ب "الانتهاكات التي نتجت عن إصدار وتنزيل الدورية الثلاثية". ومن الأشكال الاحتجاجية الأخرى التي سطرتها فدرالية جمعيات المحامين الشباب، في بلاغها، هناك "الدعوة إلى تنظيم وقفات محلية متزامنة تتخللها محاكمة رمزية شعبية في محور استقلالية السلطة القضائية والمحاماة في علاقتها بالدورية ابتداء من يوم غد الجمعة أمام محاكم الاستئناف، وتنظيم ندوة صحافية يوم 06 يناير المقبل بالرباط، وتنظيم مسيرة وطنية شعبية مفتوحة سيعلن عن تاريخها لاحقا". من ردود الأفعال الأخرى، هناك موقف نقابة المحامين بالمغرب، التي قررت اللجوء إلى المنظمات الوطنية الحقوقية والدولية لطرح قضية "الاستمرار في منع المحامين والمرتفقين من ولوج المرفق القضائي". وفي هذا الصدد قال خالد المروني، رئيس نقابة المحامين بالمغرب، في تصريح ل "الصحراء المغربية" إن النقابة أصدرت بلاغات تطالب فيها الجهات المصدرة للدورية ب "التراجع عنها ورفع كل القيود عن الولوج إلى المحاكم"، منددة، يضيف المروني ب "الاستمرار في منع المحامين والمرتفقين للأسبوع الثاني من ولوج المحاكم". وانسجاما مع موقفها الرافض لمضمون الدورية، أكد المروني أن نقابة المحامين في إطار التعاطي مع مستجدات القضية، سطرت خطوات نضالية باللجوء إلى الآليات الحقوقية على المستوى الوطني والدولي، مؤكدا أن "النقابة اتصلت بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان من أجل عقد لقاء حول الدورية الصادرة باعتباره مؤسسة دستورية تعنى بالنظر في جميع القضايا المرتبطة بحقوق الإنسان والحريات، وعقد لقاء، أمس الثلاثاء، بالائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان بالمغرب (وهو تجمع لأزيد من 20 إطارا حقوقيا وطنيا)". كما أكد المروني أن نقابة المحامين قررت، أيضا، الاتصال بالاتحاد الدولي للمحامين، موضحا بالقول "هو إطار مهني صرف مشهود له بالنزاهة وبالمبادرات الموضوعية ويتمتع بالصفة الاستشارية لدى الأممالمتحدة ولدى مجلس أوروبا". واعتبر المروني أن لجوء النقابة إلى الاتحاد يأتي من باب كونه "معنيا بالدفاع عن المبادئ الأساسية لمهنة المحاماة، وتعزيز الولوج للعدالة واستقلالية النظام القضائي"، نافيا أن يكون ذلك "رغبة في تدويل القضية"، مشددا بالقول "اللجوء للمنظمات الحقوقية الوطنية والدولية مبادرة لمواجهة المنع الذي يطال الولوج إلى مرفق العدالة، وتعطل خدمات المرفق القضائي". هيئة المحامين بأكادير وكلميم والعيون، دعت بدورها، في بلاغ موقع باسم نقيبها نور الدين خليل، صادر أمس، اطلعت عليه الجريدة، إلى "تعليق كل الأشكال الاحتجاجية، وضمنها الوقفات أمام المحاكم، إلى حين إصدار بلاغ جديد بهذا الصدد". وتأتي هذه التطورات في أعقاب الاجتماع الذي عقدته جمعية هيئات المحامين بالمغرب مع الرئيس المنتدب للسلطة القضائية ورئيس النيابة العامة، من أجل "الاتفاق على مخرجات واضحة تكفل الانخراط في ضمان الأمن الصحي للمواطنين، دون المساس بكرامة المحامين والمواطنين وحقهم في الولوج إلى المرفق الحيوي للعدالة، ومن تم المساهمة في حماية قواعد المحاكمة العادلة بالبلاد"، يضيف البلاغ. والموقف نفسه اتخذته هيئة المحامين بطنجة، حيث دعت، أمس، في بلاغ صادر عنها وموقع من طرف نقيبها هشام الوهابي، إلى تعليق جميع الأشكال الاحتجاجية في انتظار تنزيل مخرجات ما أسمته ب "الاتفاق" الذي توصل إليه مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب مع السلطة القضائية والنيابة العامة حول إسناد أمر تدبير ولوج المحامين إلى المحاكم للمؤسسات المهنية بشكل كامل ومستقل عن أية جهة.