وعلمت "الصحراء المغربية"، خلال دردشتها مع زينب الرايس، رئيسة "جمعية الأيادي البيضاء للتنمية"، أثناء هذه الحملة، التي استفاد منها 280 مسنا ومسنة، أن المبادرة تعود إلى اقتراح من ولاية الدارالبيضاء في إطار مواجهة الفقر الذي يمس هذه الفئة، ويتعلق الأمر بمشروع يجري تفعيله بشراكة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والتعاون الوطني. سجلت "الصحراء المغربية" خلال هذه الزيارة أن العزلة والوحدة في المراحل الأخيرة من العمر تمس النساء أكثر من الرجال وبهذا الخصوص أوضحت زينب الرايس رئيسة "جمعية الأيادي البيضاء للتنمية" أن هذه الوضعية تعود إلى تشبث الأرامل والمطلقات بعدم الزواج مرة ثانية بعد فراق الزوج، واعتماد هذه الفئة من النساء على نفسها في تدبير شؤون حياتها بعد غياب المعيل، فيما يعاود الرجال تجربة الزواج، بعد وفاة الزوجة أو طلاقها. وبخصوص حملة القفة الشهرية ونصف الشهرية، التي تواظب الجمعية على تنظيمها منذ حوالي 3 سنوات، تقول زينب الرايس إن تقديم المساعدة للمسنين ليس بالغريب على الثقافة والتقاليد المغربيين، وأن تقديم العون للذين يعيشون الوحدة، بعد التقدم في مراحل العمر هو سر "اللحمة التي وحدت الجيران خلال العهود السابقة وتربت عليها أجيال فطورتها وجعلتها محور مبادراتها الاجتماعية". منذ تأسيسها سنة 2012، تقول الرايس، ل"الصحراء المغربية" جعلت "جمعية الأيادي البيضاء للتنمية" من مساعدة المسنين، الذين يعانون الفقر أهم أهدافها، إذ تبنت مشروع التكفل بهذه الفئة الاجتماعية بمقر سكناها باقتراح من طرف ولاية الدارالبيضاء، في إطار الخصاص الذي يطبع العمل الجمعوي في المجال. واعتمدت هذه الجمعية في تحديد المستفيدين من مساعداتها على خريطة الهشاشة، التي أعدتها ولاية الدرالبيضاء سنة 2014، واستنادا إلى زيارات ميدانية قامت بها لجنة يتكون أعضاؤها من ممثلي الجمعية والتعاون الوطني ومن قسم الشؤون الاجتماعية بالولاية. وركزت الرايس على أهمية المساعدة بمقر السكن، أو السقف الذي يحمي المسن، لأنه من عوامل الاستقرار النفسي وبالتالي الاجتماعي، وقالت في تعليقها حول هذا العامل إن اللجوء إلى دور العجزة وتوفير المساعدة عبر إيوائهم في فضاء بعيد عن المكان، الذي ألفته هذه الفئة، مبادرة غريبة عن التقاليد المغربية. ارتفاع نسبة الأمراض في ظل غياب التغطية الصحية كشفت زيارة الصحراء المغربية أن أغلبية المسنين يعانون أمراض مزمنة، ولا يستفيدون من التغطية الصحية، ولا تعويضات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وتواجه نسبة مهمة من الفئة، 280 مستفيدة ومستفيدا من حملة القفة الشهرية ونصف الشهرية لهذه الجمعية إعاقات حركية جزئية فيما تعاني حوالي 25 في المائة منها إعاقة حركية شاملة، ما يفيد أنها في حاجة لكفيل تعتمد عليه لتلبية أهم احتياجاتها. وأبانت زيارة مستفيدين بعمالة آنفا عن تنوع الفئات الاجتماعية وعن تباين طبقي صارخ، إذ يعيش مسنون منسيون في شبه منازل مهترئة إلى جانب فيلات فارهة، ويعيش آخرون في أكواخ قصديرية وأزقة ضيقة لا تتوفر على الواد الحار، مقابل عمارات عالية من المستوى الرفيع، وكأن الشوارع والأزقة، التي تفصل بين الطبقتين حدود تعزل الفقراء عن الأغنياء ليعيش كل في عالمه الخاص. أمي طامو، امرأة عجوز تعيش في غرفة بطابق أرضي بحي خاص بالفيلات، وتعاني هذه المسنة حركة جزئية، فهي تعتمد كرسيا متحركا للخروج من منزلها والترويح عن نفسها. استغلت أمي طامو، التي تبلغ حوالي 70 سنة من عمرها، هذه الزيارة لتطلب من رئيسة الجمعية بطاريتين لكرسيها، لأنها لم تر "نور الشمس في الزنقة منذ حوالي شهر". وتعتمد هذه المسنة في حياتها على مساعدة ابنتها التي قررت العودة إلى العيش بجانبها "وتتعاون معها على الزمان" بعدما أصبحت تستفيد من قفة مواد شهرية وقفة مواد استهلاكية نصف شهرية. وبخصوص هذه الوضعية أوضحت الرايس أن العديد من الحالات كانت تعيش الفقر والوحدة، وأن الاستفادة من هذه المساعدات جلبت اهتمام أقارب وجيران تطوعوا لمد يد العون والكشف عن التضامن الذي كان ومازال يميز الأسر المغربية. ويشعر هؤلاء المسنين، بعد الاستفادة، بأنهم ليسوا عالة على الأقرباء ولا على الجيران، كما أن بعض الأبناء الذي يعانون ضيق اليد، عادوا للعيش مع ذويهم، ومن هذه الحالات مسن قدم من تاونات كان يعيش في بيت صهره مع ابنته، وعجزة كانوا يعانون الوحدة في بيوت منسية لفتوا انتباه واهتمام الجيران"، تقول زينب الرايس. جل الحالات، التي تشملها هذه المساعدة كانت تمارس مهنا حرة، منها حرف أصبحت نادرة، بل انقرضت في المدن الكبرى، ومنها من كانت تعتمد على العمل عند الغير أو على البيع بالتجوال في شوارع المدينة، لتصبح دون دخل بعد تقدمها في العمر ويمسها الإهمال والتهميش بعد الدخول في عالم الوحدة والعزلة. تشبث المسنين بالقيم الاجتماعية المغربية لفت انتباه "الصحراء المغربية" تشبث جارة أمي امباركة الباز بعدم التقاط صورة لها لاستغلالها في مواقف لا تليق بكرامتها. وقالت الجارة للجريدة إن "أمي امباركة أمي الثانية فأنا أخدمها، وأساعدها لأنني أحبها وألفت زيارتها في غرفتها في كل وقت كما أنني أقضي أعيادي مع أبنائي بجانبها". وتستفيد أمي امباركة من القفة الشهرية، التي تضم حفاظات ومواد تنظيف، كما تستفيد من قفة نصف شهرية تضم مواد استهلاكية، وتستفيد أيضا من أدوية وزيارات ميدانية من طرف أطباء مختصين يكشفون عن وضعيتها الصحية. أمي امباركة، التي تبلغ أزيد من 90 سنة، اعتمدت خلال حياتها على نفسها بعد وفاة زوجها في وقت مبكر، وعملت على تربية ابنتها الوحيدة التي تزوجت وعاشت بعيدة عنها. يبدو أن الوحدة والعزلة والنسيان والفقر قواسم مشتركة تجمع حالات قمنا بزيارتها، أخيرا، بما فيها ابا الجيلالي وامي السعدية وابا الحسين في عرصة الحاج عبد السلام، وامي طاموا وامي مريم وامي السعدية وامي رقية والحالات كثيرة في أحياء مجاورة. وكشفت ابتسامة وترحاب المستفيدين من الزيارة عن كرم واستقبال المغاربة للضيف كما أبان رضاء هذه الفئة عن الواقع الذي تعيشه بعزة نفس وتعفف. حين ينال تقدم السن من صحة الشخص ويرمي به بين أحضان الوهن والمرض في يوم ممطر وطقس بارد غطت الأوحال زقاق ضيق في درب الجران حيث يوجد المنزل الذي تقضي به امي رقية المقعدة سنوات الانتظار، انتظار زيارات الأهل والأحباب، وانتظار اللقاءات الحميمية مع رفيقات الحي ومع جارات جمعتها وإياهن أجمل الأيام في مرحلة مميزة من مراحل عمرها. بمجرد إطلالتنا على غرفتها فتحت امي رقية الباب لتستقبلنا بابتسامة جميلة وعفوية تشبه ابتسامة الرضع وهي تتعرف على الوجوه الجديدة. جسمها يبدو نحيفا وهي ترقد في جانب من غرفة بالكاد تسع لفراشين اثنين وثلاجة صغيرة وخزانة قديمة وتلفاز مهمل يبدو أنه لم يشتغل لسنوات. أخرجت امي رقية يدا نحيفة شاحبة اللون من تحت الغطاء لتضم يد حمدي، عضو "جمعية الأيادي البيضاء للتنمية"، الذي اعتقدت أنه طبيبا لتطلب منه دواء يخفف عنها آلاما برجلها، وتلح في طلبها على أنها لا تقو على النهوض من مكانها، كما أنها لا تشعر بالحرارة في جسمها وتستحضر ما تحس به من أوجاع ألمت بها وحالت دون الاستمتاع براحة النوم. كانت امي رقية، التي تلازم الفراش منذ سنوات، وتحظى بتكفل ابنة أختها، التي ربتها وهي صغيرة، تتابع الدردشة التي جرت بجوارها وتحاول أن تفهم ما يجري بحولها غير أن نظاراتها تكشف عن العزلة التي تخيم على العالم الخاص بها. مساعدة المسنين في مقر السكن يساهم في استقرارهم الاجتماعي اعتبر حسن، عضو "جمعية الأيادي البيضاء للتنمية"، فكرة مساعدة المسنين وتقديم العون بمقر إقامتهم عامل من عوامل الاستقرار والحفاظ على التوازن النفسي بالنسبة لهذه الفئة التي نال منها الفقر، وغاب عنها الأهل والعائلة ليعيشوا الوحدة وفقدان التواصل مع المجتمع الخارجي. انطلقت فكرة تقديم القفة الشهرية بالنسبة لهذه الجمعية منذ حوالي ثلاث سنوات، إذ إنها تواظب على شراء كل ما يحتاجه المسنون من مواد ضرورية في الحياة اليومية من قبيل الحفاضات والشاي والسكر والزيت والقهوة ومواد التنظيف نهاية كل شهر، فيما تقدم قفة المواد الاستهلاكية، خاصة اللحم والدجاج والسمك والخضر والفواكه، كل أسبوعين. إضافة إلى هذه اللائحة، التي تضم مستفيدين رسميين كل شهر، تقدم هذه الجمعية يد المساعدة إلى حوالي 300 مواطن موزعين على 6 مقاطعات بالدارالبيضاء يقول حسن، متوقعا أن ترتفع دائرة المستفيدين على صعيد جهة الدارالبيضاء-سطات ضمن برامج ستسطرها الجمعية لتنفيذها ابتداء من السنة المقبلة، فمنذ انطلاقها وزعت هذه الجمعية ثلاجات على المستفيدين، وأسرة طبية، وكراسي متحركة، وقامت بترميم عدد من الغرف والبيوت، كما أنقذت حالة من العيش في الشارع بعد هدم كوخها، وتكفلت بتوفير شقة لائقة لها في انتظار تسوية وضعيتها.