بين الخطيب، في مستهل خطبة الجمعة، أن مبادئ الدين الإسلامي الحنيف مبادئ عملية، وتوجيهاته إرشادات أساسية، فلا يجوز أن تتكرر على مسامعنا آيات قرآنية وأحاديث نبوية تتناول هذه المبادئ والتوجيهات فنتعامل معها تعاملنا مع الكلام المتكرر المألوف، بل يجب أن نحاسب أنفسنا في حركاتنا وسكناتنا على مدى العمل بتلك الآيات والأحاديث. وانطلاقا من قول الله تعالى، "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتقوا الله إن الله شديد العقاب"، أوضح الخطيب أن الله تعالى يأمرنا، في هذه الآية الكريمة، بأن نتعاون في ما بيننا على البر وفعل الخيرات، وعلى التقوى وترك المنكرات، وينهانا عن التعاون على الإثم والمعاصي والعدوان والاعتداء على الناس، مبرزا أن هدف دعوة الإسلام هو سعادة الإنسان وعزته وكرامته، ووسيلتها إلى تحقيق تلك السعادة هي ملء القلوب بالهدى والطهر والإيمان واليقين والوئام، فتأتلف الأفئدة بين الناس في عروة وثقى لا انفصام لها. وأضاف أن سفينة الحياة سارت بالمسلمين على هذا النهج السديد، تحت لواء تعاليم هذا الدين في طريق التعاون البناء، على البر والتقوى لصالح الأمة، مؤكدا أن التعاون غريزة وفطرة في أنواع مختلفة من عالم الأحياء، إذ هو قوام بقائها وحياتها، وقضاء مآربها، وتحقيق مطالبها، وبما أن الإنسان هو سيد هذه الأحياء، فيجب أن يكون تعاونه أوثق وأعمق لأنه خير من يدرك بعقله، الذي ميزه الله به، أن الجماعة خير من التفرقة، وأن التعاون أجدى وأنفع للفرد والجماعة، أي أن كل فرد يسخر غيره وهو في الوقت ذاته مسخر له، والمجتمع، إذا لم يتعاون أفراده، سيكون عبارة عن طاقة معطلة وقوة ضائعة لا تؤدي دورها في الحياة ولا تقوم بوظيفتها في عمارة الأرض. وأبرز أن من أوجب الواجبات على المسلمين أن يسعوا، بعزم وإخلاص النية، لتحقيق معنى التعاون بالواقع والملموس، بإقامة المشاريع، كبناء المساجد والمدارس والجامعات والمستشفيات، وتشييد السدود، وإنشاء الطرقات وإقامة المصانع، ومحاربة السكن غير اللائق، وقيام الموظفين والعمال بأداء واجبهم خير أداء، وفض الخصومات والمنازعات، والتأليف بين القلوب وإصلاح ذات البين، على اعتبار أن كل ذلك يدخل في الباب الواسع للتعاون على البر والتقوى الذي أمر الله به عباده. وأشار الخطيب إلى أن مجال التعاون على البر والتقوى مجال متعدد الجوانب، شاسع الأطراف، وبما أن الإنسان عاجز عن الإحاطة به وحده، فضلا عن القيام به كله، فإن التعاون على تحقيق مصالح الأمة ودفع المفاسد عنها، أصبح أمرا ضروريا، وصار القيام به من أفضل الأعمال وأسمى العبادات وأولى الأولويات، لذلك رتب الله عليه الخير الكثير والثواب الجزيل، مبرزا أن الحس الذي يقوم عليه التعاون هو، في جميع الحالات، الاهتمام بالآخر والحرص على نفع الغير ونبذ كل أشكال الأنانية واللامبالاة. وذكر الخطيب، من جهة ثانية، بأن الله تعالى نهى عباده عن التعاون على الإثم والعدوان، موضحا أن الإثم هو جميع المعاصي، وأن العدوان هو الاعتداء على حرمات الله وحرمات خلقه، وأن النهي عن الإعانة على ذلك يعني النهي عن فعله من باب أولى. وأكد أن ما ينطبق على التعاون بين الأفراد، ينطبق كذلك على التعاون بين الدول والبلدان، لا سيما أن التعاون بين البلدان هو الضمانة على عدم لجوئها إلى التنافر والعدوان المخرب للأنفس والأوطان. وابتهل الخطيب، في الختام، إلى الله عز وجل، بأن ينصر أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، جلالة الملك محمد السادس، نصرا عزيزا يعز به الدين، ويجمع به كلمة المسلمين، وأن يثيبه على ما يقوم به من سعي محمود وعمل متواصل مشكور للمضي قدما بهذه الأمة المتعلقة بشخصه والمتشبثة بعرش أسلافه المنعمين، وبأن يقر عينه بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن، ويشد عضد جلالته بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، وسائر أفراد الأسرة الملكية الشريفة. كما تضرع إلى العلي القدير، بأن يغدق شآبيب عفوه وفضله وسحائب مغفرته ورضوانه على الملكين المجاهدين، جلالة المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني، ويكرم مثواهما ويطيب ثراهما.