يجسد شريط "اللقيط" للمخرج التونسي نجيب بلقاضي، الذي عرض مساء أمس الثلاثاء، بسينما "أبينيدا" في إطار فعاليات مهرجان تطوان لسينما بلدان المتوسط، مقاربة سينمائية مركبة لتجليات الصراع الحب والسلطة في المجتمع. تبدو قصة الفيلم الذي تبلغ مدته 106 دقائق، والذي يشارك ضمن المسابقة الرسمية للفيلم الطويل، منذ الوهلة الأولى، إحالة رمزية لمعاناة شخصية اللقيط في المجتمع من مظاهر الإقصاء والظلم الاجتماعي المتنامي، لكنها تتحول وبشكل تدريجي إلى خيط اجتذاب لاكتشاف عوالم خفية لحي هامشي في تونس العاصمة كما ما يبدو ، لتتشكل رويدا، تيمة الشريط، المثقلة بعلاقات متشابكة ومتداخلة، وازعها الحب والعشق الخفي والصراع حول النفوذ داخل المجتمع. يروي الشريط الذي أخرجه بلقاضي سنة 2013، إذا قصة محسن، (ادى الدور الممثل التونسي عبد المنعم شويات) في حي عشوائي على هامش تونس العاصمة وعشوائيته لا تتمثل في طرق البناء الفوضوية فحسب، و إنما في كيفية سير الأمور هناك. يطرد محسن من عمله بسبب عشقه الطافح لحبيبته الجميلة التي تجاهلته تماما وفي الوقت الذي كان يفكر في حل لمعضلته هاته، تأتيه عبر صديقه السائق (ادى الدور الممثل توفيق البحري) فكرة إنشاء مشروع يجني أرباحا كبيرة من دون أي شقاء. لكن الفكرة لم تلق ترحيبا كبيرا من زعيم الحي "الأرنوبة" ( الممثل الشاذلي العرفاوي) و أمه، حيث يستمر الصراع بين الرجلين حتى نهاية الفيلم. لذلك سيشكل هذا الصراع فكرة الفيلم الرئيسية، التي استطاع بلقاضي أن يقاربها من زوايا مختلفة لحبك تناقضاتها وتجلياتها لتفكيك متاهات الصراع من اجل البقاء والتفوق والتنافس المحتدم لتكريس الزعامة داخل الحي. هنا يرسم المخرج عالما متكاملا، بعلاقات متشابكة و مكثفة، خصوصا عندما يتحول محسن إلى تاجر يذر المال الوفير من تجارة بيع الهواتف في الحي، والتي جعلت جميع سكانه يتحولون إلى "عبيد" للهاتف و"عبيد" لزعيمهم الذي يطالبهم بدفع أتاوات كلما رغب في ذلك. أما شخصية "مرجانة" التي تتميز بثنائية الحضور والغياب، فتقدم أيضا صورا كثيرة و متنوعة عن الحب العصي على السلطة، وكأن المخرج يريد أن يقول أنه لا توجد علاقة حب سليمة هنا، في هذا الجو المتخم بالصراع على السلطة. في الشق الفني، اعتمد بلقاضي على أدوات وصور استعارية حتى وإن كانت غرائبية، مكنته من إبراز تداخل علاقات الشخوص وتعقد توجهاتهم. كما أن المخرج حاول أن يرصد البنية الاجتماعية المعقدة للحي بطريقة مركبة وجدية، جعلته يتجاوز في كثير من المشاهد أو في المقاطع الانتقالية الخلفية الموسيقية، وكأنه يريد أن يوحي للمشاهد بأن القصة طبيعية وجدية في الوقت ذاته. ويشارك في مختلف مسابقات هذه الدورة التي تستمر إلى غاية 5 أبريل المقبل، 38 شريطا طويلا وقصيرا ووثائقيا تمثل مختلف دول حوض البحر الابيض المتوسط. وتحضر السينما المغربية في هذا الموعد السينمائي، ضمن مسابقة الأشرطة الطويلة، بشريطين هما "حمى" لهشام عيوش، و"سرير الأسرار" لجيلالي فرحاتي. وتضم لجنة تحكيم مسابقة الفيلم الطويل، التي يرأسها المخرج السوري محمد ملص، كلا من كاترينا داميكو مديرة المدرسة الوطنية للمركز التجريبي للسينما في روما ، وباربارا لوري دو لا شاريير الناقدة السينمائية الألمانية ، إلى جانب الممثل والمخرج الفرنسي باسكال طورو، والممثلة المغربية فاطمة خير.