نظمت مؤسسة عبد الهادي بوطالب للثقافة والعلم والتنوير الفكري، أول أمس السبت، بالدارالبيضاء، ندوة فكرية حول موضوع "عبد الهادي بوطالب وقضية المرأة بين مقتضيات الشريعة والقوانين الدولية". وقال مجيد بوطالب، نجل الراحل، ورئيس مؤسسة عبد الهادي بوطالب للثقافة والعلم والتنوير الفكري، في كلمة بالمناسبة، إن موضوع الندوة يستمد أهميته من النقاش المطروح حول موضوع المرأة، باعتباره أحد الإشكاليات التي تستأثر باهتمام الرأي العام، داخل المغرب والعالم العربي والإسلامي، وتتصدر الأحداث في ظل ما يسمى بالربيع العربي. وأبرز بوطالب أن هذا الاهتمام يستمد وجاهته كذلك من أن "الراحل عبد الهادي بوطالب كان مناصرا لقضايا المرأة، مساندا لإدخال تغييرات جذرية على مدونة الأحوال الشخصية، التي كانت تعكس، برأيه، تراثا فقهيا تجمد منذ القرن الرابع الهجري، عندما أغلق باب الاجتهاد وساد الجمود المجتمعات الإسلامية، ومنها مجتمعنا المغربي". وذكر بدور والده الراحل في تعديل مدونة الأحوال الشخصية منذ أن عينه الملك الحسن الثاني سنة 1993، رئيسا للجنة الخاصة بالتعديل، وكذا دوره في حسم النقاش حول الموضوع، من خلال إعداد قانون يعتمد الاقتباس من المذاهب الفقهية وإعمال الاجتهاد الإسلامي المنفتح، والوسطي والمعتدل، إلى أن أدى النقاش إلى تشكيل لجنة استشارية في 27 أبريل 2001، عرضت أعمالها على جلالة الملك، ثم على البرلمان. وذكر بوطالب بمساهمة والده ب"جرأة ومسؤولية وشجاعة، سواء بصفة دينية أو بصفته الحقوقية، في الدفاع عن قضايا المرأة، وفي تنوير المجتمع بمنظور الإسلام في معالجة حقوق المرأة بنوع من السماحة والعدل والإنصاف، وبحق المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام، وفي تطوير أوضاع المرأة من مرتكزات القوانين الوضعية والشريعة الإسلامية". وأجمع المتدخلون والمتدخلات، خلال هذا اليوم، الذي جاء احتفالا باليوم العالمي للمرأة، على مناقب العالم الحقوقي والديني والسياسي، واعتباره علامة متميزة في تاريخ المغرب الحديث، مستعرضين ما كان ينفرد به من "شجاعة وصراحة، وكيف استطاع تدليل العقبات، التي كانت تقف في وجه حركات الدفاع عن حقوق النساء"، من خلال كتابات وندوات أكد فيها ضرورة إعمال وظيفة الاجتهاد، وإعادة النظر في الضوابط المنظمة التي تمنح للدين الإسلامي خاصية اليسر التي ينفرد بها من بين الديانات الثلاث. وأوضح المتدخلون أن عبد الهادي بوطالب لم يفته أبدا الاستشهاد بالمصادر الأساسية في الإسلام حول الحق في المساواة، وفي كل ما يمكن أن يدفع بالمرأة للمشاركة في تنمية المجتمع، ما يتطلب فرض تبني موقف جديد في تصور المرأة كمواطنة شريكة تعامل بالمساواة. "ومن هذا المنطلق لابد من الانتقالات الديمقراطية، وتغيير العقليات والسلوك، والقطيعة مع التقليد الأبوي، والتربية على ثقافة المساواة بين الجنسين"، تقول صباح الشرايبي، منشطة اللقاء، مشيرة إلى أن "الديمقراطية، لدى الراحل بوطالب، يصنعها توزيع الأدوار المسؤولة، حيث للرجال والنساء الحقوق نفسها، والاستفادة نفسها من تكافؤ الفرص". الندوة كانت مناسبة أيضا لعرض حصيلة عشر سنوات من تطبيق مدونة الأسرة، بإيجابياتها وثغراتها، بمشاركة كل من زهور الحر، عضوة اللجنة الاستشارية لتعديل المدونة، وقاضية سابقة، التي دعت إلى مراجعة عدد من النصوص المعيقة لتمتيع المرأة بحقوقها القانونية، ورحمة بورقية، رئيسة جامعة الحسن الثاني بالمحمدية، وعضوة اللجنة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة، التي تحدثت عن تأثير تحول القيم في المجتمع على وضعية المرأة، وفتحية بنيس، التي أثارت معيقات مشاركة المرأة في تدبير الشأن العام، وعلي السدجاري، متحدثا عن المرأة وتطور حقوق الإنسان بالمغرب، ورجاء ناجي مكاوي، التي دعت إلى تغيير العقليات قبل تغيير القوانين، وعبد الواحد بنمسعود، الذي ركز على الفهم الخاطئ للمدونة كمعيق أساسي لتطبيقها. وتميزت الندوة التي احتضنتها قاعة المحاضرات بمؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود، باستعراض أهم المحطات التاريخية في حياة الأستاذ عبد الهادي بوطالب، من خلال شريط وثائقي أبرز مناقب الرجل ومبادراتهن وفكره السياسي والثقافي ومكانته في المحافل الدولية، سواء مدافعا عن وحدة البلاد أو عن حقوق المرأة، منذ معايشته عهد محمد الخامس إلى عهد جلالة الملك محمد السادس، حتى وفاته في 16 دجنبر 2009.