دون أن يتخلى عن شعاع الضوء الذي جعله تيمة 41 لوحة تشكيلية، قدمها للجمهور، أسدل الفنان التشكيلي العصامي رشيد مداد، الستار عن ثالث معارضه "هدايا من الضوء"، الذي افتتحه أخيرا بمدينة الدارالبيضاء، واعدا بألا يتأخر عن عشاق رسوماته بالمعرض الرابع، الذي سيحمل الجديد والمختلف. الفنان التشكيلي المغربي رشيد مداد مع أحد أعماله لم يكن الضوء، الذي يعتبر قاعدة من قواعد الرسم التشكيلي، إلا شعاع أمل في نفس مداد، الذي يحاول أن يعيد اكتشاف ذاته بين لوحاته، فبعد أن عكس في معرضه الثاني، الذي حمل عنوان "الأبواب المفتوحة"، شغفه بأبواب منازل الأحياء حين كانت تظل مشرعة، وحين كان الأطفال يدخلون كل البيوت وكأنها بيوتهم، جعل رسوماته هذه المرة، رسالة حب لابنته المقيمة في فرنسا، وهدية لها ولجنينها الذي تنتظر أن يملأ حياتها نورا وضياء. ورغم أنه سعى إلى البحث الشخصي عن الذات منذ المعرض الأول، قال مداد في حديث مع "المغربية"، إنه مازال يبحث عن ذاته، وهو الأمر الذي دفعه إلى المرور من الرسم التصويري إلى التجريدي بسلاسة تنم عن تمكن واضح من أدوات اشتغاله. ورغم شغفه الكبير بجنس "البورتريه"، الذي يتقنه، لدرجة كان يجزم معها البعض أن اللوحات عبارة عن صور فوتوغرافية، انفتح رشيد مداد في معرضه على التجريدي، مؤكدا أنه جزء من طفولته ومن الثقافة المغربية، وأضاف، "أرضنا تفرض الاهتمام بالفن التجريدي، فهو بحر، وبدوري لا أتخلى عن السباحة في اليم". اعتمد الفنان التشكيلي رشيد مداد على الألوان المغربية الأصيلة، فكان الأزرق والبني أساسيا في رسوماته، وهو الأمر الذي لم يكن اعتباطيا بالنسبة لمداد، خاصة أن جذوره من منطقة الجنوب المعروفة بألوان بناياتها وأبوابها المائلة إلى البني، أما اللون السماوي فاستوحاه من المناطق الشمالية التي تنتمي إليها زوجته، ابنة مدينة الشاون. وأشاد أغلب زوار المعرض بدقة مداد في اختيار الألوان، وقدرته الغريبة على التنسيق والمجانسة بينها، بعيدا عن الألوان الطفيلية، وعن ذلك قال فناننا التشكيلي، "أحاول جاهدا أن أتوخى الدقة في الألوان، وتفادي ذلك الفارق بين الألوان، وأحمد الله أن زوار المعرض اعتبروها لمسة شخصية تدل على نجاح المعرض، ولا أخفي أن زوار معارضي الثلاثة، دفعوني إلى إعادة اكتشاف لوحاتي من جديد". وارتباطا بفنه ولوحاته، لا ينكر رشيد مداد، الأب لثلاث فتيات، دور المرأة المهم في حياته، بدءا بالأم، ملهمته الأولى، تلك المرأة الأمية الثائرة، التي تجمع بين القوة والحنان، ومرورا بالزوجة، التي تعتبر السند والظهر الذي يتكئ عليه وقت الشدائد، وانتهاء بفلذات الكبد، مصدر العطف والحنان. وانتهز مداد فرصة الحديث عن الجنس اللطيف والنصف الثاني في المجتمع، ليكشف أن لوحات معرضه الرابع ستتمحور حول المرأة، معترفا بأن الحظ كان حليفه في مسار فني لا يعتبر طويلا، فبعد أربعين سنة قضاها كإطار بنكي، يسبح في عالم الأرقام والحسابات المصرفية، لم يتردد مداد في ولوج عوالم الفن التشكيلي دون التفكير في الدراسة أو التخصص، إذ مباشرة بعد إحالته على التقاعد، استيقظ الفنان في داخله من سبات عميق، وأصبحت الريشة صديقة وفية له. وبرزت في سن الحادية عشرة، موهبة رشيد مداد، حين أخذت ملامح الوجوه تسكنه ليرسمها بدقة متناهية، آخذا، في بداية مسار هوسه بالألوان والأبعاد، من البورتريهات أحد أدوات التعبير عن الذات وشغفها بالفن التشكيلي، فكانت أولى أعماله تحمل وجوه شخصيات تاريخية، إذ مازال بعض أصدقاء الطفولة، ومداد شخصيا يتذكر كيف انبهر أستاذ الرسم الفرنسي الجنسية بالبورتريه الذي رسمه رشيد، معلنا عن موهبة تفتقت إيذانا بميلاد فنان عصامي يحمل بدواخله هاجس وروح الفن الأصيل.