يصر الأمريكيون على أن تخفيف العقوبات المفروضة على طهران ضئيل جدًا، لكن هذا لا يقنع الشركات الغربية المتهافتة على الفرص الاستثمارية المتاحة في إيران. انتعاش العملة الإيرانية بعد رفع العقوبات (خاص) منذ توقيع الاتفاق النووي مع إيران في نوفمبر الماضي، تعمل إدارة باراك أوباما جاهدة على طمأنة الكونغرس والحلفاء في الشرق الأوسط إلى أن تخفيف العقوبات على طهران يكاد يكون ضئيلًا. ويؤكد البيت الأبيض أن التنازلات التي قُدمت لإيران محدودة ومؤقتة، ويمكن الرجوع عنها في أي وقت. لكن ملالي طهران والعدد المتزايد من ممثلي الحكومات والشركات الأوروبية الذين يتدافعون لاستغلال الانفتاح على إيران بعد الاتفاق النووي يدحضون ما يقوله البيت الأبيض. وشهدت الفترة، التي مرت منذ الاتفاق، إقدام دول تتعامل تجاريًا مع إيران على إلغاء عقوبات وإرسال وفود وعقد صفقات والتلويح باستعدادها لتوسيع العلاقات في كل قطاع حيوي من قطاعات الاقتصاد الإيراني. ويتضح هذا من قرار الاتحاد الأوروبي في 20 يناير إلغاء عقوبات متعددة، بينها حظره البالغ الفاعلية على تأمين شحنات النفط الإيراني. وكان هذا الحظر المفروض، منذ يوليوز 2012 قام بدور كبير في خفض صادرات إيران النفطية. وسيكون الآن بمقدور الشركات المنضوية في كونسورتيوم انترناشونال غروب وبي أند آي كلابس الذي يتولى القسم الأعظم من عمليات التأمين على السفن في العالم، أن تعيد تأمين شحنات النفط الإيراني ابتداء من تاريخ صدور القرار عمليًا. وأخذ مسؤولون أوروبيون ووفود تجارية أوروبية يتوافدون على طهران، منذ إعلان الاتفاق النووي في جنيف، وينتظر آخرون في الطابور. فوزيرة الخارجية الايطالية إيما بونينو زارت طهران في دجنبر الماضي، وفي الشهر نفسه اجتمع مع وزير النفط الإيراني في فيينا مسؤولو شركات عملاقة بينها شل الهولندية وايني الإيطالية، وأو أم في النمساوية، على سبيل المثال لا الحصر. وتعتزم زيارة طهران في أوائل فبراير شركات ومصارف فرنسية كبرى بينها إيرباص وبيجو سترون وسوسايتيه جنرال وبي أن بي باريبا. في هذه الأثناء، وقعت شركة تسنديرلو البلجيكية عقدًا مع إيران، قيمته نحو 33 مليون أورو لبيعها 60 ألف طن من الأسمدة الكيميائية. كما أسفر تخفيف العقوبات عن خفض تكاليف الترتيبات التجارية التي كان يتطلبها التعامل مع إيران في السابق. وقال مسؤول في شركة غوبريتاس التركية للصناعات الكيميائية لصحيفة وول ستريت جورنال "نحن نشهد انخفاض تكاليف عملياتنا، ونأمل بأن تحويل المدفوعات سيكون أسهل". يتوقع هؤلاء جميعًا انطلاق سباق جديد على استثمار الفرص الجديدة للتعامل مع الإيرانيين، في موقف يبين بوضوح أنهم لا يصدِّقون ما يقوله البيت الأبيض عن حدود التخفيف من العقوبات. وتتوقع دراسة نشرها البنك الدولي قبل أيام أن ينمو الاقتصاد الإيراني بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد عامين متتاليين من الانكماش. ويرتفع سعر صرف الريال الإيراني مقابل الدولار ومؤشر بورصة طهران، فيما ينخفض معدل التضخم. وتؤكد إدارة أوباما أن هذا كله يمكن أن يُلغى إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي شامل، لكنّ محللين يرون أن ذلك قد لا يكون ممكنًا، مشيرين إلى أن لزخم تخفيف العقوبات منطقه السياسي، الذي سيزيد الضغط على الحكومات الغربية لتوقيع اتفاق نهائي، حتى إذا كان اتفاقًا سيئًا. وإذا تعذر التوصل إلى اتفاق نهائي بسبب انقسام الدول الغربية على بنوده، فالمرجح أن تنهار العقوبات في كل الأحوال، بحسب هؤلاء المحللين.