في إطار المحافظة على الموروث الثقافي، يحيي الفنان جمال الزرهوني ومجموعته لفن العيطة الحصباوية حفلا فنيا يوم ثاني وعشرين نونبر الجاري بدار الفنون بالرباط، ابتداء من السابعة ونصف مساء. يعتبر الفنان جمال الزرهوني واحدا من الفنانين الذين حافظوا على التراث الغنائي لفن العيطة وحملوا مشعله طيلة سنوات، من خلال الحفاظ عليه، باعتباره أحد الألوان المكونة للموروث الموسيقي المغربي الأصيل، وسيتحف الفنان جمال الزرهوني جمهوره بمقطوعات فنية رائعة من فن العيطة، الذي يجد روعته في كلماته التي خرجت إلى الوجود ووقع تداولها فأصبحت ملكية جماعية، وبالتالي صانتها الذاكرة ثم تناقلتها الأجيال في أفراحها وأحزانها. فالعيطة نصوص شعرية رمزية عميقة الدلالة، تعكس بصدق عقلية وثقافة المجتمعات القروية، التي أبدعتها وضمنتها تمثلاتها ومشاعرها، وصاغتها صياغة تتجاوز اللغة، كما أن العيطة، والإيقاعات وألحان الموسيقية تعكس نوعا من التفاعل الوجداني مع الأرض ومع الطبيعة يقول الزرهوني. لحظات سيتفاعل معها الجمهور بقوة، انطلاقا من إيقاعاتها التي يبدع من خلالها الفنان الزرهوني ومجموعته، وانطلاقا من الأداء الجيد والصوت المتميز، بحيث يستطيع أن يجذب إليه مسامع الحضور من خلال الكلمة واللحن والصوت الجميل، التي تدخل في تناغم تام مع آلة لوتار. واستطاع الزرهوني من خلال مجموعته أن يجدد النمط العيطي الحصباوي، انطلاقا من عدة الحان تنطوي على أبعاد تاريخية يحاول من خلال صوته السجي أن يزاوج ما بين عبق التراث وحيوية المستقبل، غنى وأبدع فنال إعجاب المهتمين والمتتبعين بألوان فنية رائعة قدمها ويقدمها مستوحاة من تراث دفين محصل عليه، من خلال عملية النبش في الذاكرة المفعمة بالعطاء لينفجر العطاء نبعا طيبا في لحظة يتوقف فيها الزمن تبجيلا للوافد من عبق تاريخ ليجسد امتدادا للحب والعشق والمودة التي لا تنفصل عراها ليتشكل طابق شهي من الألحان والأنغام التي يقدمها الوتر وليصطف في مسار عشقها آلات موسيقية المصاحبة للوثر. وبين هذا وذاك، يقف الفنان جمال الزرهوني يردد آهات يشعل بها فضاء السهر توهجا وتموجا في توحد هلامي إنساني لا مجال فيه للحديث عن اللغة بل فقط عن قيمته الإنسانية العظيمة التي تمتد عبر ثنايا التاريخ في توحد في المكان كما في الزمان ليشع الصدى، ويهيم في فضاء لامتناهي في الإبداع كما في الامتداد، وينطلق الزرهوني من خلال أغانيه التراثية آتية من المحيط وبضبط من منطقة الكاب قبيلة أولاد زيد ليمتد صداها إلى مشارف دار القيد السي عيسى، مقدما عبر هذه الربوع لحنا شديدا طروبا متدفقا هنا وهناك. وأكد الفنان جمال الزرهوني من خلال أدائه حقيقة فن العيطة، معتبرا إياها بالإبداع الشعبي المتعدد الأبعاد، وأنها إبداع أصيل يتجاوز الفن كحاجة إنسانية إلى الفن كمرادف للإنسان، باعتباره إرثا حضاريا متجدرا في موروثنا الثقافي وليست مجرد لون فني غنائي، وسعى جمال الزرهوني للحفاظ على موروث العيطة الحصباوية، فإنه يحرص على أدائها في قالبها التقليدي الأصيل، كما يعارض بشدة إدخال تعديلات موسيقية عليها تفقدها قيمتها الفنية. ويسعى جمال الزرهوني كذلك إلى الاهتمام بالفنون الغنائية وعلى رأسها فن العيطة والبحث في أساليب جديدة للارتقاء بهذه الفنون والتعريف بها وطنيا وعالميا، بالإضافة إلى القيام بتجارب جديدة على مستوى الغناء والآلات دون مساس بجوهرها وأصالتها مع البحت في النصوص والعيوط المنسية والعمل كذلك على إحيائها ونشرها وتشجيع البحث العلمي في هذه الفنون الشعبية التراثية.