لم يكن محمد الصديق معنينو، مواليد 1944 بمدينة طنجة، يتردد في خوض غمار تجارب الحياة والمهنة، فلم يكن هناك شيء أسهل بالنسبة له من أن يعزز الثقة في كفاءاته، ليصقلها بالمثابرة والاجتهاد، ليكون عطاؤه سجلا من المواقف والأحداث الباب الرئيسي ل 'المسيرة الخضراء' قبل ساعة من انطلاقها جمع المتطوعون أغراضهم ورتبوها بالشكل الذي يخول لهم حملها على أكتفاهم وظهورهم، حتى ينطلقوا صوب منطقة الصحراء متجاوزين حوالي 10 كيلومترات يوم 6 نونبر 1975، فلم يكن هناك ما يمنع تحركهم نحو هذه الجهة، كل شيء كان مرتبا ومهيكلا، ليسير المتطوعون في صفوف منتظمة محملين بحاجياتهم تحسبا لأي مستجد يدعوهم إلى استعمالها، بعدما بقيت الشاحنات في طرفاية مركونة ومتراصة، هكذا كان معنينو يصف مشهد المتطوعين ل"المغربية" حين هموا بالانطلاق نحو الصحراء بكل اندفاع. وأضاف معنينو أن الحدادين تكلفوا في صباح باكر من اليوم نفسه بوضع الباب الحديدي، الذي يرمز إلى بوابة الانطلاقة نحو أرض الصحراء، كان المتطوعون والمنظمون والإعلاميون المغاربة والأجانب عازمين على المضي نحو الصحراء بتفان، المتطوعون يرفعون الأعلام الوطنية المرفرفة على إيقاع الهواء الصحراوي، والمنظمون يتتبعون خطواتهم لحفظ نظامهم، أما الإعلاميون فكانوا يتقدمون المتطوعين لالتقاط صور ومشاهد لهم، تكون أكثر بلاغة وتعبيرا عن حماسهم الوطني. "كان المتطوعون يتدفقون في اتجاه الصحراء بشكل لا يمكن وصفه"، يقول معنينو ليستطرد قوله إن "منظر المتطوعين كان مؤثرا جدا، فمنهم الحفاة ومنهم المثقلون بالأغراض على ظهورهم، ومع كل هذا كانوا يتابعون المسير على نحو يؤكد عمق وطنيتهم وغيرتهم على ترابهم، كانوا مجندين بروح متحدية وعازمة على الدفاع عن حوزة التراب الوطني، هكذا تشكلت صورة المتطوعين في مخيلتي وأنا أتابع تحركاتهم نحو الصحراء". يتحدث معنينو ل"المغربية" بلهجة مؤثرة تحن إلى زمن "المسيرة الخضراء"، "كنت أنا ومصور ومساعده وضابط للصوت نركب سيارة رباعية الدفع، التي كانت تسبق جحافل المتطوعين، كنا نلتقط المشاهد وهم يتقدمون نحونا، فمشهد هؤلاء كان مؤثرا للغاية إلى حد تذكرت كلام والدي حين قال لي ذات مرة إن هؤلاء المتطوعين هم مجاهدون وسيحررون أرض الإسلام، وعندما سيتقدمون إلى الصحراء كأنهم سيبلغون الكعبة الشريفة، وفي هذه الأثناء رددت بأعلى صوتي لبيك اللهم لبيك عدة مرات بتلقائية كبيرة، فلم أستطع منع نفسي من التعبير عن تفاعلي مع حشود المتطوعين، بعدما جعلوا باتحادهم وانتظامهم أرض الصحراء تبدو كأنها مفروشة بالأعلام الوطنية الحمراء في منظر لا يكفي وصفه باللغة، بل يجب عيش أبعاده وتجلياته في طرفاية حتى يتسنى للمرء بلوغ قمة ذلك الإحساس الرائع، الذي حققه منظر المتطوعين وهم يمشون حوالي 3 ساعات". تدمع عينا معنينو وهو يتابع وصفه لتحركات المتطوعين لاقتحام أرض الصحراء، ليضيف قائلا " بكيت متأثرا بمساعي المتطوعين إلى تأكيد أن أرض الصحراء هي جزء لا يتجزأ من أراضيهم المغربية، فقد واصلوا خطاهم بتحد وحين وجدوا أسلاكا على شكل حواجز، مزقوها بأيديهم أشد تمزيق، محاولين إلغاء كل الحواجز عنهم، لدرجة أن المتطوعين كانوا يتقدموا نحو الجنود الإسبان كما لو أن لا وجود لهؤلاء، ليتابع الإسبان عن قرب تحركات المتطوعين الذين مجرد ما وطأت أقدامهم أرض الصحراء، نزلوا إليها حاملين حباتها الرملية ليتيمموا ويقبلوا الأرض ويسجدون حمدا لله على بلوغهم أرضا من أراضيهم، كان المتطوعون كأمواج بحر تتدفق، صفوف تسجد والأخرى تركع إلى أن أنهوا جميعا الصلاة". لا ينسى معنينو كيف كانت تقود المتطوعين إرادة مؤكدة أنهم متأهبون للموت إن اقتضى الأمر منهم ذلك، فلم يثبط عزائمهم وجود الإسبان على مقربة منهم وهم يحملون أسلحة كان من الممكن أن تصوب منها الرصاص لردهم عن التقدم، لكن لا شيء حصل وبقي المتطوعون ثابتين على موقفهم في المكوث بأرض الصحراء"، حسب ما ذكره معنينو بلغة موضحة لموقف المتطوعين. في الحلقة المقبلة سيتحدث معنينو عن واقع المتطوعين بعد اقتحامهم أرض الصحراء بشكل سلمي