اشتهرت مدينة مراكش بعدة أسماء من بينها "سبعة رجال"، وارتبطت برجالاتها، الذين بصموا حياتها الدينية والروحية، وألهموا الكثير من الكتاب والأدباء وشعراء الملحون، من خلال حسهم الإنساني والأخلاقي، ما دفعنا إلى الالتفات لظاهرة هؤلاء الرجالات. الصديق الغراس مع مجموعة من المقاومين على اليسار يعتبر الصديق الغراس، أحد رجال المقاومة الذي جمع بين النضال السياسي المسلح، والدفاع عن جبهة الفكر والثقافة التي تلت معركة الاستقلال من أجل الحرية، وأحد أبرز المقاومين المغاربة الذين قدموا حياتهم في سبيل تحقيق حلم الاستقلال، وواحدا من أبطال المقاومة الذين لم تشملهم الدراسات، ولا عدسات كاميرا الباحثين، كما لم يسقطوا في أجندة التكريم. من مواليد 1922 بمدينة مراكش، تلقى تعليمه الأولي بمدرسة "المكتب الإسلامي" الحرة، تميز عن باقي زملائه في الدراسة بحسه الثاقب، وقوة ذاكرته، وبفضل الرصيد الثقافي المتميز، الذي حصل عليه في هذه المدرسة العتيدة. اجتاز بتفوق امتحان الدخول لمدرسة ابن يوسف، عند إحداث النظام بها سنة 1938. تابع الصديق دراسته الثانوية والعليا بالمدينة الحمراء إلى أن حصل على شهادة العالمية، شعبة الآداب، سنة 1947. أثناء دراسته في الجامعة اليوسفية، سهر على خلق أنشطة هادفة ثقافية ورياضية ووطنية تمثلت في تأسيس جمعية أدبية طلابية أصدرت أعدادا من مجلة "الشرارة"، ونشرت عدة مقالات ومقطوعات شعرية. أنشأ فرقة لكرة القدم اختار لها اسم "الشبل اليوسفي"، قبل أن يقوم بعد أن صار أحد المقتنعين بفكر المقاومة بنشر الأفكار الوطنية في صفوف الطلبة وتنظيمهم في إطار خلايا منظمة، ليصبح بعد ذلك قائدا للعمل الوطني داخل جامعة ابن يوسف في بذرته الأولى، ساعده في ذلك الزاد التربوي الوطني والديني الذي تلقاه في وسطه العائلي، وكذا مدرسة المكتب الإسلامي، التي كانت فضاء لزرع الروح الوطنية والتشبث بالقيم الإسلامية الحنيفة. توج مجهوده الكبير بالإشراف، رفقة زميله عبد النبي بن العدل، على توقيع عريضة تأييد طلب الاستقلال، فكان ذلك سببا في اعتقاله في يناير من سنة 1944 مع الموقعين، رفقة عدد من الوطنيين والأساتذة الأجلاء الذين تخصصوا إلى جانب العلوم التي درسوها في زرع الروح الوطنية والدينية في النشء. ساهم بدور فعال في الجهود الأولى من أجل تعليم الفتيات، منذ كان طالبا، وبعد تخرجه عمل أستاذا بالقسم الثانوي "بمدرسة الفضيلة" الحرة للبنات، إذ سيعمل جاهدا على نشر فكرة المقاومة في صفوف هذه الفئة غير الموجودة آنذاك، فبالإضافة إلى قيامه بدور التعليم، كان يقوم بتوعيتهن وتأطيرهن من أجل التحرر، حتى صارت تلميذاته نواة الحركة الوطنية في صفوف النساء. خلال سنة 1951 غادر مدينة مراكش، ليقرر الاستقرار بمدينة الدارالبيضاء رفقة أسرته بعد نفي أخيه مبارك، عندما قامت السلطات الفرنسية بمنعه من الوظيفة، وقطعت رزقه، وأوصدت جل الأبواب التي يحاول منها الصديق الغراس أن يجلب منها لقمة عيشه وعيش أبنائه، بسبب عمق تأثيره في مجال التوعية الوطنية، التي شملت النساء، وحيويته في تأسيس وتأطير العديد من الخلايا. واصل الصديق الغراس نضاله الوطني بمدينة الدارالبيضاء، وشرع في تكثيف تحركاته التوعوية للطبقات الاجتماعية، والقيام بالتنسيق بين خلايا مراكش والدارالبيضاء بعد أن كلفته قيادة الحركة الوطنية بالقيام بدور المنسق مع من بقي في مراكش من الوطنيين، الذين لم يشملهم قرار نفي أو سجن.