شارك نادي قضاة المغرب، يوم الأربعاء الماضي، في فعاليات الورشة المنظمة من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حول "القوانين المتعلقة بالسلطة القضائية"، بفضاء المعرض الدولي للكتاب بالدارالبيضاء، وهو اللقاء الذي شهد حضورا مكثفا من طرف قضاة وحقوقيين وباحثين وفعاليات إعلامية واسعة. انطلق رئيس نادي قضاة المغرب، ياسين مخلي، في مداخلته المقدمة ضمن أشغال هذه الورشة بالتأكيد على ضرورة استحضار المرجعية الدولية في الحديث عن مشاريع إصلاح منظومة العدالة بالمغرب، بالنظر إلى كونية مبادئ استقلال السلطة القضائية. وقدم لمحة عن مشروع المذكرة، التي يعتزم نادي قضاة المغرب تقديمها، خلال الأيام القليلة المقبلة بخصوص تصوراته للقوانين التنظيمية المتعلقة بالسلطة القضائية، التي تأتي بعد حصيلة نقاش مستفيض شارك فيه قضاة متطوعين من مختلف الدوائر الاستئنافية بالمملكة في ورشات عديد، توجت بعقد الدورة الثالثة للمجلس الوطني للنادي. وأشار رئيس نادي قضاة المغرب، في هذا الصدد، إلى أن مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان المعلن عنها، أخيرا، تلتقي في كثير من جوانبها مع تصورات نادي قضاة المغرب، خاصة في شقها المتعلق بضرورة فك الارتباط بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية ممثلة في وزارة العدل، لكنه أبدى تحفظه على بعض المقتضيات، التي أوردتها المذكرة ومن بينها اشتراط أقدمية معينة بالنسبة للقضاة الراغبين في الترشح لعضوية المجلس الأعلى للسلطة القضائية. من جهة أخرى، أكد رئيس نادي قضاة المغرب أن المذكرة، التي سيقدمها النادي قريبا تشمل على مجموعة من المقترحات المتقدمة من بينها اقتراح انتخاب الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام للملك به من طرف القضاة، في إطار الحرص على دمقرطة طريقة اختيارهما. وأضاف أن شرط استقلالية الأشخاص الخمسة المعينين من طرف الملك لعضوية المجلس الأعلى للسلطة القضائية يبقى شرطا شديد الأهمية بالنظر إلى كون استقلال هؤلاء الأشخاص عن السلطة التشريعية والتنفيذية، يبقى الضمانة الأساسية لتحقيق مبدأ الفصل بين السلط والحيلولة دون المس باستقلال هذه المؤسسة الدستورية، سيما أن المستجدات التي كرسها دستور2011 حرصت على الحفاظ على استقلال المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهو ما استدعى استبعاد وزير العدل من تشكيلة المجلس. وأوصى رئيس نادي قضاة المغرب بضرورة العمل على ضمان شفافية المجلس الأعلى للقضاء، والاهتمام بتوفير تدريب وتكوين مناسبين لأعضائه في مجال مبادئ وضمانات استقلال السلطة القضائية، مقترحا ضرورة العمل على فرض شرط تفرغ الأعضاء المنتخبين سيما بالنظر إلى الأدوار الجديدة التي أضحت تقوم بها المؤسسة، ولتحقيق النجاعة المطلوبة. وأوصى في نهاية مداخلته بضرورة إعادة النظر في طريقة تكوين القضاة من طرف المعهد العالي للقضاء مع أهمية الحرص على تحقيق استقلاليته عن وزارة العدل، وإشراف المجلس الأعلى للسلطة القضائية عليه، مقترحا، في هذا الصدد، وفي إطار تكريس مبدأ استقلال السلطة القضائية، التفكير الجدي في إحداث مجلس الدولة تدعيما للمنظومة القضائية في المملكة، واهتداء بالتجارب الدولية الناجحة. وفي تعقيبه، عارض نورالدين الرياحي، عضو الودادية الحسنية للقضاة، مقترح النادي بانتخاب الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام للملك بمحكمة النقض لعدة اعتبارات من بينها أنه "ليس هناك سند دستوري، كما أنه لا يمكن أن نأخذ مبدأ استقلال القضاء وندافع عنه من منطق بعض الخيارات الشخصية". وأضاف "أننا لا نقبل مسألة الانتخاب التي قد تفرز بعض الأشخاص غير المؤهلين للقيام بهذه المهام أو محدودي التجربة رغم أنهم منتخبين ديمقراطيا، ونتشبث بمبدأ التعيين من طرف جلالة الملك بصفته الضامن لاستقلال القضاء". وفي مداخلته، أكد عبد الله الكرجي، نائب رئيس المحكمة الابتدائية بالرماني، وعضو نادي قضاة المغرب، أن مبدأ الانتخاب يبقى مبدأ عالميا ومعمولا به في العديد من التجارب الدولية، فضلا عن أنه أسلوب ديمقراطي وهو وسيلة لتحقيق الاستقلال المؤسساتي. وشدد على أنه "يجب ألا نكذب على الشعب المغربي بالقول إن القضاة غير مؤهلين لانتخاب الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ولانتخاب من يترأس جهاز النيابة العامة، خلال هذا القرن كما كذبنا على هذا الش، خلال القرن الماضي حينما قلنا له إنه غير مؤهل للديمقراطية". الورشة شهدت تقديم مجموعة من المداخلات، من بينها مداخلة خديجة الروكاني، عضو الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق النساء، التي اعتبرت أن هناك إشكالا كبيرا في ضمان المساواة بين الجنسين داخل المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وغياب تام لإدماج مقاربة النوع، داعية قاضيات المملكة إلى الانتفاض على هذا الوضع. من جهته، قال محمد الصبار، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، إن "القضاء وظف سياسيا وصدرت أحكام قضائية انتفت فيها شروط المحاكمة العادلة، وبالتالي فمؤسسة القضاء شرعنت في فترة معينة الاستبداد والتسلط". وأضاف الصبار أن أعطاب العدالة في المغرب عليها إجماع اليوم، وأن الجميع مقتنع بضرورة إيجاد مخرج. وذكر في هذا الإطار، أن "المجلس الوطني لحقوق الإنسان اقترح أن يكرس القانون التنظيمي مجموعة من ضمانات الاستقلالية الإدارية والمالية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية".