فرح كيناني، كاتبة صحافية مغربية مقيمة بالولاياتالمتحدة، يؤرقها مستقبل أطفالنا، ما يجعلها تتفرغ حاليا لكتابة مقالات تسلط فيها الضوء على أهمية الوجود الفعلي للعائلة، في أدق التفاصيل اليومية لأطفالها، حتى تحافظ على توازنهم النفسي. الكاتبة والصحفية فرح كيناني صحبة طفليها سارا ودارا وفي هذا الحوار، تتحدث فرح عن الهاجس التربوي الذي أصبح يواجه تحدي دلال الأطفال وإدمانهم على المغريات الحديثة اليومية. كيف تقيمين تربية المهاجرين المغاربة لأبنائهم وسط المجتمع الأمريكي؟ - أصبح موضوع تربية الأطفال بالولاياتالمتحدة، أمرا معقدا ومسألة شائكة، وصدرت بشأنها آلاف الكتب، منها الصالح وأكثرها طالح. وبطبيعة الحال، تنبه عالم الأعمال إلى تعطش الآباء الجدد لحلول سريعة تسهل عليهم مهمة الرعاية النفسية لأطفالهم، وتحترم، في الوقت ذاته، ضيق المدة، التي يمكنهم تخصيصها لهذا الغرض. والنتيجة الطبيعية كانت تحول هذا الموضوع الاجتماعي الجوهري إلى مصدر لاغتناء دور النشر، التي باتت تنافس بعضها البعض في إصدار كتب تعلم الآباء كيفية التعامل مع فلذات أكبادهم. ولعل الإقبال المكثف على هذه الإصدارات دليل على حيرة الآباء في كيفية استرجاع دورهم التربوي والإرشادي لأطفالهم. وحسب ما لمسته من خلال لقاءات أجريتها مع مختصين في الميدان، وبعد الاطلاع على عدد من الكتب المهتمة بمسألة تربية الأطفال في الولاياتالمتحدة، أكاد أجزم أن نسبة كبيرة من العائلات أعلنت استسلامها أمام المغريات اليومية، التي تثير رغبة واهتمام أطفالها، وهو اهتمام غالبا ما يتحول إلى إدمان يحول دون اكتراث الطفل بالسلطة الأبوية. طبعا، هناك عامل يسهل هذا الإدمان، وهو عدم متابعة الآباء لما يقوم به أطفالهم، نتيجة انشغالهم بوظائفهم، فكلا الأبوين مضطران لمغادرة البيت في الصباح، والعودة آخر النهار، ليظل الأطفال تحت رحمة المربية، أو بمعية أقرانهم دون رقيب. صراحة، الأمر سيان بالنسبة إلى الأمريكي المهاجر حديثا، أو الآخر الذي استقر منذ بداية القرن، فالمشكلة تعممت، ولم تعد حكرا على جالية دون أخرى، حتى أنه أصبح عاديا أن نسمع بحوادث شغب يقوم بها مراهقون إيرانيون مثلا، أو آخرون من أصول صينية أو باكستانية. هل تريدين القول إن تراجع الترابط بين الأطفال والآباء هو سبب المعضلة؟ - بالفعل، هذا التراجع هو أصل المشكل، فإذا كان من السهل على المربين أن يفرضوا توجها معينا على أطفالهم الصغار، عن طريق الترهيب أو الإجبار، فالمهمة تصعب ما أن يقارب الطفل سن السابعة ، ووحده الترابط المبني على الحب والاحترام كفيل بجعل الطفل راغبا في الاستماع إلى نصائح وإرشادات الأبوين، ولا يمكن تحقيق هذا الترابط دون الوجود الفعلي والمستمر لأحد الآباء، خلال المراحل العمرية الحرجة للأطفال. كيف تقيمين تربية المغاربة لأبنائهم في المجتمع المغربي؟ - بديهي أن يكون وجود الأسرة الكبيرة عاملا أساسيا يساعد على توازن شخصية الطفل المغربي، وكذا تشبته بهويته. فالجدة والجد موجودان لدعم التربية، والأقران هم عادة من البيئة نفسها، ما يساعد على تكوين شخصية سوية. لكن، لا أعتقد أن هذا التقييم كاف، حتى بالنسبة إلى الباحثين الاجتماعيين، عند دراستهم لشخصية الطفل المغربي. فعلاوة على عولمة المشاكل التي تواجه الطفل، أيا ما كانت دولته وبيئته، ومنها تأثير الأصدقاء، وقيام الخادمة بدور الأم، وإدمان الالكترونيات..إلخ، هناك خصوصية مغربية ليست بالحديثة، لكنها بدأت تبرز جليا، وهي أن العائلة تعير أهمية أكبر لما سيقوله الآخر عما قد يصيب الابن أو الابنة نفسيا. ولعل قضية الطفلة أمينة الفيلالي، التي أجبرت على الزواج من مغتصبها، لخوف الأسرة من القيل والقال، مثال جيد على ذلك، وسيكون لها تأثيرها القوي، حتما على أطفالنا الذين يتابعون أحداث القضية. فالفتاة ستشعر بالقهر، بينما سيتنبه الولد إلى انتفاع أبناء جنسه بعدم المحسابة، بل والعفو حتى بعد قيامه بجريمة شنيعة. فكيف نأمل أن تكون بناتنا فخورات بانتمائهن لمجتمع يدينهن، وهن الضحيات؟ وكيف ننتظر من أبنائنا أن يعاملوا الفتيات بأدب واحترام؟ بالطبع، هناك عدة أوساط مشرفة نجحت في تربية أبنائها بطريقة سوية. ولكن ناقوس الخطر يدق وعلينا تحديد أولوياتنا. وأولى الأولويات، بطبيعة الحال، هي أطفالنا. هل تعتقدين أنك نجحت في تربية طفليك تربية صحيحة توفق بين هويتهم الإسلامية، ونشوئهم في مجتمع غربي؟ - لا يزال طفلاي في مقتبل العمر، لذا لا يمكنني تقييم تجربتي الشخصية، بنزاهة، حاليا. كل ما أتمناه، هو أن ننجح، أنا وزوجي، في جعل طفليي سارا ودارا، مواطنين أمريكيين مسلمين فاعلين وفعالين، في مجتمعهما، وفخورين بأصولهما المغربية والإيرانية. أصدرت أخيرا مؤلفا قيما يشرح للأطفال، ماهية أحد أركان الإسلام، شرحا مبسطا، وشاركت في معارض مختلفة. إلى أي حد نجحت التجربة في المساهمة تربويا في تلقين المبادئ الأولية، وفي إعطاء صورة حقيقية عن الشعائر الإسلامية؟ - بالفعل، شاركت في العديد من التظاهرات الثقافية، كان آخرها دعوة تلقيتها من مركز إسلامي بولاية فرجينيا. وشهدت التظاهرة حضورا مكثفا للجالية المغربية، التي حرصت على اقتناء الكتاب على اعتبار أنه يجيب عن بعض التساؤلات التي يطرحها الأطفال بإلحاح عن هذه الشعائر ومغزاها. سيكون الكتاب أيضا حاضرا في تظاهرة ثقافية لتكريم المغرب بمدينة ايستون (ولاية ماريلند)، في 5 ماي المقبل. أما حاليا، فأنا بصدد إعداد مقالات تلقي الضوء على أهمية الوجود الفعلي للعائلة، في أدق التفاصيل اليومية لأطفالها، حتى تحافظ على توازنهم النفسي. وأعتقد أن هذا هو ما نحن في حاجة إليه الآن. تعليق الصورة: