بعدما لقي الفيلم العالمي "عين النسا"، الذي صوره المخرج الروماني، رادو ميهايلينو، في المغرب، بمشاركة العديد من الفنانين المغاربة والجزائريين، والتونسيين، والفلسطينيين والفرنسيين، تجاوبا كبيرا من طرف النقاد ومختلف المهتمين بالسينما وذلك أثناء عرضه باسم المغرب، في مهرجاني "كان" السينمائي بفرنسا، وأبوظبي بالإمارات العربية المتحدة، حقق الفيلم، أيضا، إقبالا جماهيريا كبيرا في القاعات السينمائية المغربية. عن هذا الفيلم، الذي تدور أحداثه حول معاناة النساء في إحدى القرى الجبلية، من ظلم التقاليد البالية، التي كرسها نمط العيش الذكوري، الذي ينظر إلى النساء على أنهن غير منتجات، ولا يصلحن إلا للإنجاب فقط، وعن ظروف تصويره واختيار أبطاله، كان ل"المغربية" لقاء صحفي مع المخرج الروماني رادو ميهايلينو، الذي زار المغرب، أخيرا، لتقديم فيلمه، والمشاركة في لجنة تحكيم مهرجان مراكش الدولي، الذي اختتمت فعالياته أخيرا. من أين استوحيت فكرة الفيلم؟ الفكرة الإخراجية للفيلم مستوحاة من الواقع، فكل شيء بدأ أثناء زيارتي سنة 2001 لتركيا، وتحديدا لقرية جبلية صغيرة، حيث النساء تعودن كل يوم على جلب المياه من نبع في قمة الجبل، تحت أشعة الشمس الحارقة، وبسبب مجموعة من الحوادث، التي تعرضن لها، قررن مواجهة شقاءهن بالإضراب عن ممارسة الحب مع أزواجهن، طالما أنهم لا يتحملون عبء جلب المياه إلى قريتهم. في البداية لم يأخذ الرجال مطلب النساء على محمل الجد لتتحول الأمور إلى العنف، لكن النساء صمدن لينتهي الإضراب بحصولهن على ما أردن. كما استفدت أيضا، من قصة "ليسيستراتا" لأريسطوفان، إذ النساء رفعن سلاح الحب من أجل وضع حد للحرب، واعتقد أن هذا الموضوع مليء بالأسئلة المعاصرة. الملاحظ أن العديد من المخرجين تعاملوا مع الفكرة نفسها، ألم تخش الوقوع في فخ التكرار؟ لا أعتقد ذلك لأن لكل مخرج رؤيته الإخراجية، كما أن أحداث الفيلم مأخوذة من الواقع، إذ أنني أنجزت عملية بحث أعتقد أنها كانت كافية، وانتقلت إلى القرية والتقيت النساء اللواتي يعشن هناك، وعايشت أهل القرية عن قرب، من أجل الإحاطة بكل صغيرة وكبيرة، كما أخذت بالاعتبار وجهات نظر الجميع، حتى أكون أقرب إلى الواقع. عملت على تكوين صداقات حقيقية وغنية، من خلال التقرب أكثر من القرويات والإحساس بمعاناتهن، وأعتقد أن الإحساس الصادق لأي مخرج يصل بسهولة إلى المتلقي. ما طبيعة البحث الذي قمت به أثناء إعدادك للفيلم؟ بعد اقتناعي بفكرة الفيلم دخلت مباشرة في جلسات عمل مع الكاتب الفرنسي، ألان ميشيل بلان، الذي شاركني كتابة السيناريو، شرعنا في تدوين وتحليل شهادات النساء القرويات، التي كانت مليئة بالطرائف، التي أدرجنا بعضها في السيناريو. اعتمدنا، أيضا، على العديد من المراجع في علم الاجتماع الخاص بمجتمعات جنوب المتوسط، وبعض كتب الشريعة الإسلامية، باعتبار أن جل هذه المجتمعات إسلامية، وحتى نكون قريبين أكثر من الموضوع استعنا بباحثين عرب من مختلف دول جنوب المتوسط أمثال مالك شبل، وسمية نعمان جسوس. لماذا اخترت اللغة العربية لغة أساسية للفيلم رغم أنك لا تتحدث بها؟ حبي لرقة اللغة العربية، جعلني أصور الفيلم بالدارجة، التي تتوفر على إيقاع موسيقى رائع، في الثقافة العربية لا نقول الأشياء مباشرة، إذ لا يجب تحقير الآخر حتى لا يكون هناك منهزم، لهذا فالعديد من الحوارات تجري بالغناء والشعر والرقص، وهذا ما قمت به في أفلامي السابقة، كما أخضعت الممثلين، الذين لا يتحدثون الدارجة لتدريب مدته ثلاثة أشهر، حتى يتحدثون مثل المغاربة، وأعتقد أن الممثلين بذلوا مجهودا كبيرا، إذ لم نكن في حاجة للقيام بأي تصويبات لغوية. كيف تمكنت من تصوير الفيلم رغم أنك لا تتحدث الدارجة ؟ لأول مرة في حياتي أصور فيلما كاملا بلغة غير لغتي، ومع ذلك أن تدخلت لإصلاح بعض الأخطاء في النطق، وكانوا يستغربون ذلك، لأنني كنت غالبا على حق، اقتربت من موسيقى الدارجة، مما ساعدني كثيرا على تصحيح الأغاني، التي كان عليها أن تحتوي على أبعاد تراجيدية وكوميدية. لماذا اعتمدت الماء تيمة رئيسية للفيلم ؟ للماء دلالات كثيرة، فهو مصدر الحياة، وفي بعض الأغاني العربية التقليدية يقال إن الرجل عليه أن يسقي المرأة، وكأن المرأة وردة أو أرض خصبة، وبما أن الرجل لا يحمل الماء إلى القرية، فإنه لا يمكن أن يسقي النساء، الجفاف الذي يضرب القرية هو استعارة على القدرة على العطاء. كيف قمت بإنجاز المقاطع الموسيقية ؟ من خلال حضوري في العديد من الأعراس والحفلات، ومشاهدتي للعديد من الأشرطة الوثائقية حول الرقصات التقليدية، طلبت من أرمان عمار، الذي يعرف جيدا الثقافة المغربية، إذ سبق له تنظيم حفلات في باريس لفنانين مغاربة، أن يمزج بين العديد من الإيقاعات والآلات التقليدية، مثل العود، وأدوات الإيقاع باختلاف أنواعها، كما طلبت منه الاستعانة بصوتين نسويين أعطيا قوة أكبر للفيلم، هذا الخليط الصوتي أعطانا الإحساس أننا نشاهد حكاية أسطورية، وفي الوقت نفسه منح الفيلم إحساسا عصريا، وهو ما كنا نبحث عنه. لاحظنا أن أحداث الفيلم كانت تتأرجح بين المواقف الكوميدية والتراجيدية كيف تفسر ذلك؟ هذا انعكاس لحياتي، وللحياة بشكل عام، التي لا تحمل لونا واحدا، قد يحدث لي أن أتكلم بدعابة في الوقت الذي فقدت للتو صديق أو حبيب، هذه طريقة أقول بها إنني حي وإنني لم أدمر كليا، فأثناء إنجاز الفيلم التقيت نساء تعرضن للعنف والاغتصاب، لكنهن لم يفتقدن روح الدعابة، مثل المرأة التي تعرضت للضرب من زوجها، وقالت إنها سقطت من الدرج رغم أنها تسكن الطابق الأرضي، فكان جوابها أن هذا ما تسمعه في المسلسلات المكسيكية فالسخرية هنا قوة وليست ضعفا. كيف قمت ببناء شخصيات الفيلم؟ استلهمت العديد من الوجوه النسائية في الفيلم من نساء القرية، التي صورت فيها، ففي المنزل الذي سكنته كان هناك ثنائي شبيه بالثنائي "ليلى" و"سامي" في الفيلم، كان سامي مرشدا سياحيا تزوج عن حب من امرأة من خارج القرية، ما جعل الجميع ينادونها ب" الغريبة"، كان رجلا منفتحا وحداثيا إلى أبعد الحدود. وكذلك الشأن بالنسبة لباقي الشخصيات الأخرى، كلها كانت مستوحاة من شخصيات حقيقية مازالت تعيش هناك بالقرية. ما هي المعايير التي اعتمدتها في اختيارك للممثلين ؟ على عكس عاداتي، فإنني كتبت دور ليلى بالمشاركة مع ليلى بختي، التي شاهدتها في فيلم مع رشدي زم، ووجدتها رائعة رغم أنها كانت في بداياتها، أطلعتها على الموضوع قبل نهاية كتابة السيناريو، فاقترحت علي قراءة بعض الكتب من بينها واحد مهم حول مكانة المرأة في القرآن، واعترفت لي أنها لم تقم في السابق بمجهود كبير مثل ما قامت بخصوص دورها في هذا الفيلم، وقبل شهر من التصوير اشتغلت معها حول دورها واختلافات شخصيتها، وساندتني إنسانيا في التصوير، الذي لم يكن سهلا، ولا أنكر أنها أبهرتني بموهبتها وعمقها الإنساني وإرادتها وقوة شخصيتها. إنها ممثلة كبيرة. وبخصوص باقي الممثلات ؟ اخترت حفصية حرزي من البداية لأنها نشيطة جدا، وتطمح إلى تطوير الأشياء، وهو ما احتجته لشخصية "إسميرالدا"، كما كانت لدي رغبة منذ مدة للاشتغال مع هيام عباس، وفكرت فيها في دور آخر، لكنها اقترحت دورا أكثر حدة، وكانت على صواب، أما بخصوص بيونة فكانت هي المفاجأة الكبيرة، تساءلت في البداية هل ستتمكن من أداء المنولوجات الطويلة لأنها في الأصل مغنية وليست ممثلة، لكن مباشرة بعد التجربة تأكدت أنها تتوفر على ما كنت أبحث عنه، قوة الشخصية الطبيعية والسخرية والصوت، إنها ممثلة كبيرة، تستطيع احتلال الشاشة . كما كان لي لقاء جميل مع صابرينا وزاني، التي شاهدتها في أدوار سوداوية وتساءلت هل يمكن أن تمثل في فيلم يظهر جانبها الآخر، وهو ما اتضح لي أنه من خصائصها. إنها تمثل السعادة الحقيقة. ماذا عن الأدوار الرجالية ؟ شاهدت صالح بكري في دور رتيب في فيلم آخر، لكنه يمثل قوة التعبير والإدانة التي تميز شخصية سامي، إنه إنسان رائع، كما كان لي لقاء رائع مع الممثل محمد مجد، الذي شارك في فيلم لإسماعيل فروخي، إنه ممثل مغربي كبير بوجه رائع، إذ أنه ليس من الضروري أن يتحدث ليعبر عن أحاسيسه، لهذا فالكاميرا تحبه، إنه يقدم شخصية قوية فهو رجل حكيم يحب ليلى وسامي ويكتشف التناقضات في القرية ويحاول إصلاحها في هدوء.