قدم صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في خطابه السامي، في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية الثامنة، يوم الجمعة المنصرم، خارطة طريق شاملة ودقيقة لكسب تحديات ورهانات مغرب اليوم والغد وعلى رأسها تجديد وتحديث هياكل الدولة، كرهان مؤسسي كبير يتوقف عليه تقدم وتحديث المغرب. وأحاط الخطاب السامي لجلالة الملك أمام أعضاء مجلسي البرلمان، إحاطة كاملة بالتحديات الكبرى، المؤسسية والتنموية، التي يتعين رفعها، خاصة من قبل البرلمان والحكومة، وأيضا من قبل سائر الفاعلين السياسيين والقوى الحية للأمة، خلال الولاية التشريعية المقبلة، التي ستكون "ولاية تأسيسية بامتياز"، كما قال جلالته. وجعل جلالة الملك استكمال تفعيل الدستور في طليعة التحديات المؤسسية، وذلك، كما قال جلالته، "بإقرار القوانين التنظيمية المكملة له، باعتبارها المحك الحقيقي لما يفتحه من آفاق ديمقراطية واعدة". وقال جلالة الملك إن هذه التحديات تشمل "انبثاق مشهد سياسي معقلن وفعال"، من خلال "التأهيل الذاتي للأحزاب"، و تفعيل دسترة المشاركة المواطنة، "عبر تعزيز انخراط الفاعلين الجدد، من مواطنين وهيئات المجتمع المدني ونقابات وقوى منتجة، ووسائل الإعلام، كشريك بناء في بلورة وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية والمشاريع التنموية، والاقتراحات التشريعية". وأضاف جلالته في هذا الصدد، أن إرساء الجهوية المتقدمة يشكل ورشا استراتيجيا، لما تتيحه، بالأساس، من لا تمركز إداري، ومن حكامة ترابية جيدة، وقرب من المواطن، وأيضا، من إمكانات وآفاق واعدة لتحقيق تنمية بشرية واقتصادية واجتماعية مستدامة، متوازنة ومتضامنة. وشدد جلالة الملك، أيضا،على توطيد عدالة مستقلة، بإقامة المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمحكمة الدستورية، ومواصلة الإصلاح العميق والشامل للقضاء، ودمقرطة الدولة والمجتمع، وتحسين مناخ الأعمال، بانتهاج الحكامة الجيدة، وتخليق الحياة العامة، بتفعيل المبادئ والآليات، التي ينص عليها الدستور. أما في ما يتعلق بالتحديات التنموية، فشدد جلالة الملك على أن "المحك الحقيقي لنجاعة المؤسسات، بالنسبة للفئات الشعبية، هو مدى قدرتها على إحداث نقلة نوعية في الرفع من مؤشرات التنمية البشرية" لا سيما، يضيف جلالة الملك، من خلال "إصلاحات وإنجازات، مقدامة وملموسة، تضع في صلبها تحفيز الاستثمار المنتج، المدر لفرص الشغل، والسكن اللائق، وتعميم التغطية الصحية، والحفاظ على البيئة، وتوفير التعليم النافع، بالإصلاح العميق لمنظومة التربية والتكوين، والانخراط في اقتصاد المعرفة والابتكار، مفتاح تقدم المغرب". إن ما يتوخاه المغرب من نهوض بالعدالة الاجتماعية والمجالية، يقول صاحب الجلالة ، لن يتأتى "إلا بتعزيز السياسات الاجتماعية لمحاربة الفقر والإقصاء والتهميش، وتوسيع قاعدة الطبقة الوسطى، والنهوض بالمساواة بين الرجل والمرأة، فضلا عن إيلاء عناية خاصة للعالم القروي، وللمناطق الجبلية والنائية والمعزولة، وبلورة ميثاق اجتماعي متقدم". وأضاف جلالته أن "مضاعفة الجهود للارتقاء بالاقتصاد الوطني إلى عتبة أعلى، من التحديث والانفتاح والتنافسية والنمو القوي والمستدام، يظل من أهم الرهانات التنموية، التي يتعين كسبه، للارتقاء بالمغرب إلى مصاف الدول المتقدمة"، ما يقتضي، يقول جلالة الملك، "اعتماد حكامة تنموية متناسقة، كفيلة بالتفعيل الأمثل للمخططات القطاعية، ومواصلة الأوراش الهيكلية، في إطار الحفاظ على التوازنات الكبرى، ليس الماكرو-اقتصادية والمالية فقط، التي أصبحت مبدأ دستوريا، وإنما أيضا على التوازنات الاجتماعية، باعتبارها جوهر تقدم المجتمع واستقراره وتماسكه". واعتبر جلالة الملك أن استحضار بعض التحديات السياسية والتنموية الكبرى، وإيجاد الحلول الناجعة لها "رهين، في هذه المرحلة الانتخابية، بتحمل الأحزاب الوطنية الجادة لمسؤوليتها السياسية، في تقديم مشاريع مجتمعية واضحة ومتمايزة، وبلورتها في برامج مضبوطة وناجعة وواقعية، تضع في صلبها الانتظارات الحقيقية للأجيال الحاضرة والصاعدة، ليتاح للمواطن الاختيار الحر للنخب المؤهلة للنهوض بها". وخلص صاحب الجلالة إلى أنه "على ضوء نتائج الانتخابات النيابية المقبلة، فإن رفع هذه التحديات، في العهد الدستوري الجديد، مسؤولية الحكومة والبرلمان بالأساس، بما لهما من صلاحيات تشريعية وتنفيذية كاملة". مضيفا جلالته أن "الحكومة المنبثقة عن أغلبية مجلس النواب المقبل، مسؤولة عن وضع وتنفيذ برنامج طموح ومضبوط في أسبقياته وأهدافه ووسائل تمويله، وآليات تفعيله وتقويمه، ومن جهتها، فإن المعارضة البرلمانية مطالبة بالقيام بدورها البناء في المراقبة والمساءلة". وبإحاطته بمجمل التحديات والرهانات التي يتعين على المغرب كسبها في الحاضر والمستقبل، يكون الخطاب الملكي قدم خارطة طريق شاملة ودقيقة لتحقيق ذلك، كما أنه يشكل لحظة قوية في العهد الدستوري الجديد، الذي يدشن لمرحلة تاريخية، في سياق التطور الديمقراطي والتنموي للمغرب.