يخلد الشعب المغربي، وفي طليعته أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير، الذكرى 58 لانتفاضة 16 غشت بوجدة و17 غشت بتافوغالت، اللتين تجسدان معلمتين وضاءتين في مسيرة الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال. وهاتان الانتفاضتان تشكلان حدثين سيظلان موشومين في سجل الذاكرة المغربية، يؤكدان الدور الريادي والفريد الذي اضطلع به بطل التحرير والاستقلال جلالة المغفور له محمد الخامس رضوان الله عليه، الذي رفض الخضوع لإرادة الإقامة العامة الفرنسية الرامية إلى النيل من السيادة الوطنية وتمديد الوجود الاستعماري في المغرب. وشكلت انتفاضة 16 غشت 1953 بوجدة منعطفا بارزا في مسار الكفاح الوطني من أجل الحرية والانعتاق، وميزت إسهام المنطقة الشرقية في ملحمة الاستقلال بما قدمه أبناؤها من تضحيات جسام. إن انتفاضة 16 غشت 1953، التي قادتها ثلة من الوطنيين من أبناء المنطقة الشرقية، الذين كانوا من السباقين إلى تأسيس الحركة الوطنية، مكنت هذه الربوع المجاهدة من الدخول إلى التاريخ من بابه الواسع، وهي التي شكلت على مدى أجيال متعاقبة إحدى قلاع المغرب الصامدة في وجه الأطماع الدولية، حين تمكنت بشموخ من التصدي لحملة العثمانيين الرامية إلى غزو المغرب. كانت مدينة وجدة في صلب الصراع القائم بين مغتصبي حرية الوطن وبين المكافحين من أجل استرداد الحرية والانعتاق، وفي طليعتهم جلالة المغفور له محمد الخامس ووارث سره ورفيقه في الكفاح جلالة المغفور له الحسن الثاني. وتكمن الملابسات التاريخية، التي أفرزت انطلاق انتفاضة 16 غشت 1953 بوجدة، والأسباب المباشرة المؤدية إلى اندلاعها، بالأساس، في اشتداد الأزمة بين القصر الملكي وسلطات الاحتلال، إذ اشتد الخناق والتضييق على جلالة المغفور له محمد الخامس لإرغامه على الابتعاد عن الحركة الوطنية والكف عن تأطيرها بل والتنكر لها وإدانتها. غير أن الموقف الجريء والحاسم، الذي عبر عنه بطل التحرير رضوان الله عليه، سيؤدي بسلطات الاحتلال إلى التفكير في نفيه ونفي ولي عهده آنذاك، جلالة المغفور له الحسن الثاني. وبادرت الحركة الوطنية والمقاومة بوجدة إلى التحضير المحكم لإنجاح هذه الانتفاضة المباركة، إذ جرى استثمار يوم 16 غشت 1953، باعتباره يناسب يوم الأحد للقيام بعدة عمليات فدائية، منها مناوشة الجيش الاستعماري بسيدي يحيى، وتخريب قضبان السكة الحديدية، وإحراق العربات والقاطرات، وإشعال النار في مخزون الوقود، وتحطيم أجهزة محطة توليد الكهرباء، ومداهمة الجنود في مراكزهم، لا سيما بمركز القيادة العسكرية بسيدي زيان للاستيلاء على ما يوجد بها من عتاد حربي. كما شهدت مختلف مراكز المدينة مظاهرات واجهتها قوات الاحتلال بوابل من الرصاص، سقط خلالها الكثير من الشهداء وجرح العديد من المقاومين. وامتدادا لهذه الانتفاضة شهدت المناطق المجاورة لوجدة انتفاضات عديدة، حيث شهدت مدينة بركان وتافوغالت مظاهرات حاشدة، وجرى اعتقال العديد من المتظاهرين من بني يزناسن ونقلهم إلى السجن الفلاحي العاذر بالجديدة. لم تكن انتفاضة 16 غشت 1953 انتفاضة عفوية وتلقائية، بل كانت منظمة ومؤطرة، انتفاضة شاركت في صنعها جميع شرائح المجتمع الوجدي من عمال وفلاحين وتجار وصناع وموظفين، وشملت مختلف الأعمار وكلا الجنسين، بحيث تسلح الجميع بالإيمان وبعدالة القضية الوطنية، فكانت هذه الانتفاضة عارمة لم تكد تتسع لها كل أرجاء مدينة وجدة المجاهدة.