بجانب الطريق المؤدية لمدينة الدارالبيضاء، من الجهة الجنوبية، وبالضبط في أولى كيلومترات شارع محمد السادس طريق (مديونة سابقا) أحد أكبر شوارع العاصمة الاقتصادية، يستقبلك الحي العشوائي لدوار المكانسة، بفوضى عارمة. عند الوصول إلى دوار المكانسة ترعبك حركة السير المختنقة في جوار الدوار، وسائل نقل مختلفة الألوان والأشكال، تبدأ بالعربات المجرورة وتنتهي عند وسائل النقل السري، سيارات أطلق عليها مالكوها ومستعملوها اسم "المقاتلات"، تمتلئ صباح ومساء كل يوم بوجوه آدمية، في رحلات لا تدوم سوى خمسة وعشرين دقيقة، كأبعد تقدير. منبع لروائح كريهة وسط هذا الوضع المليء بالمتناقضات، يعيش أساتذة وتلاميذ المدرسة الإعدادية المكانسة واحد، واقعا مريرا لا يقل مرارة عن واقع الدوار ككل، إذ يتخبط مرتادي المؤسسة، التي لم يمض على بنائها سوى أقل من أربع سنوات، في مشاكل لا حصر لها، نتيجة بنائها بالقرب من مجرى للمياه العادمة، وسط حي صناعي عشوائي. ورغم قرب المؤسسة من الطريق الرئيسي المؤدية للعاصمة الاقتصادية، لا تتوفر على طريق معبدة، تيسر وصول الأطر التربوية والتلاميذ إلى المؤسسة، ويخيل لك في الوهلة الأولى عند زيارتك لها، أنك في إحدى الدواوير النائية بجبال الأطلس الكبير، وليس بحي سكني لا يفصله عن العاصمة الاقتصادية سوى كيلومترات قليلة. على بعد أمتار قليلة من باب الثانوية الإعدادية المكانسة واحد، يوجد مكب للنفايات، ومنبع لروائح كريهة يستنشقها التلاميذ وأساتذة المؤسسة صباح مساء. شيماء تدرس في السنة الثالثة إعدادي، فضلت الانتقال إلى هذه المدرسة الجديدة، بعد أن عانت في السنة الأولى صعوبات كبيرة في التنقل إلى إحدى الثانويات الإعدادية بالدارالبيضاء، إذ كانت تقطع مسافة خمس كيلومترات، إذا أرادت مواصلة دراستها، واقع أرغمها على الاستسلام إلى قدرها، والانتقال إلى المؤسسة الحديثة العهد رغم الروائح النتنة والوضع الأمني غير متحكم فيه، تحدثت شيماء بعينين شاخصتين وراء نظراتها، وهي تشير إلى مكب النفايات، بنبرة صوت مستهزئة قائلة "هذا هو المنبع الطبيعي للروائح الزكية، التي نستنشقها كل يوم"، وأضافت وهي متذمرة "المشاكل، التي نعانيها جراء المحيط المرير للمؤسسة لا حصر لها، إذ أعيش كل يوم قصاصا من المعاناة مع صديقاتي، خاصة خلال فصل الشتاء، حيث تحرمنا الأمطار من الوصول إلى حجرات الدراسة، ونجد أنفسنا مضطرين إلى العودة إلى بيوتنا، وانتظار انخفاض مستوى المياه في محيط مدرستنا". وضع مرفوض أعاد مجموعة من القاطنين في محيط المؤسسة، التقتهم "المغربية" سبب اجتياح مياه الأمطار لمحيط المؤسسة إلى وجود شركة صناعية تبعد بأمتار قليلة عن المؤسسة، إذ تتسرب منها كميات كبيرة من المياه العادمة وتختلط بمياه الأمطار، وتشكل مستنقعات من المياه الضحلة في محيط المدرسة، وتنبعث منها روائح نتنة، إذ لا تزول إلا بعد أزيد من أسبوع، وغالبا ما يستمر هذا الوضع طيلة الفترة، التي تشهد تساقطات مطرية قوية. أُرغمت الأطر التربوية في مؤسسة المكانسة واحد، على التأقلم مع هذا "الوضع المرفوض"، رغم الصعوبات الكبيرة، التي يواجهونها كل يوم، نور الدين بدير، أستاذ، وزوج إحدى الأستاذات في المؤسسة، لا يتردد يوما في إيصال زوجته إلى مقر عملها، خوفا من أن يلحقها مكروه في طريقها لدوار المكانسة واحد، إذ أكد نور الدين أن الأمن منعدم في المنطقة، وقال بصوت غاضب "معدل الجريمة مرتفع في هذه المنطقة، ولا يمكن أن أترك زوجتي تواجه مصيرا مجهولا كل يوم، وأفضل إيصالها بنفسي إلى باب المؤسسة، رغم الصعوبات التي أواجهها كل يوم مع الممر الطرقي غير المعبد، والمليء بالحفر". يعود تاريخ بناء حي المكانسة خمسة إلى سنة 2001، إذ يعتبر من بين أهم أحياء البناء العشوائي في العاصمة الاقتصادية بعد دوار الهراويين، ويفوق عدد الأسر في الحي مائة ألف أسرة، انتقلوا للعيش في المكان، بعد أدائهم مبلغا ماليا، حصره السكان في ستين ألف درهم، مقابل بقعة أرضية تصل مساحتها إلى خمسين مترا مربعا، فيها منزل بطابق سفلي فقط. محنة حقيقية سكان دوار المكانسة، الذي لا يبعد كثيرا عن الطريق السيار الجديد لطريق مديونة بجوار تراب مقاطعة السالمية، يعيشون محنة حقيقية، إلى جانب مشكل المدرسة والوضع الأمني، مشكلة بيئية بسبب تعطيل مشروع إعادة الهيكلة، فضلا عن رداءة الطريق الرابطة بين طريق مديونة اتجاه المنازل العشوائية. وعبر السكان ل "المغربية" عن تذمرهم من الوضعية المتردية لشريط الطريق المذكور، واستنكروا صمت وتجاهل المسؤولين على تردي حالة هذا الطريق، التي تسببت في عدة حوادث سير خطيرة خصوصا بمدخلها من جهة طريق مديونة، وأشاروا على أن هذه الطريق تتسبب لهم في عدة مصاريف باهظة لإصلاح الأعطاب، التي تتعرض لها سياراتهم.