على امتداد شارع محمد الخامس بمراكش، المؤدي إلى منطقة تاركة، بفيلاتها الفخمة، تنتصب بنايات أنيقة ومميزة بشكلها المعماري الجميل خلف حي كيليز الراقي توجد منطقة بن القشالي الفقيرة (أرشيف) لكن غير بعيد عن هذه المباني الإسمنتية، تتجلى مظاهر البؤس والفقر بالحي العسكري، المعروف لدى عامة المراكشيين ب"بين القشالي". بيوت واطئة، تتخللها أزقة ضيقة متربة ومحفرة، وبنايات باهتة اللون ومتفاوتة في العلو والمساحة، لا يجمعها أي نسق جمالي أو تصميم عمراني، أغلبها غير مكتمل في البناء والصيانة، كما يصعب الوصول إلى أبوابها المسيجة بأسلاك كثيرة ومحاطة بحبال غسيل حبال تركت مكانها فوق سطوح المنازل لصالح لاقطات هوائية عبارة عن صحون مقعرة، حرص السكان من متقاعدي القوات المسلحة الملكية على محاولة التقاط دبدبات قنوات فضائية لقتل فراغ التقاعد. عند ولوج الحي العسكري تغيب أمامك صور الجمال والنظام والسعادة لتعوضها الفوضى والبؤس اليومي، يفتقر لشيء اسمه مساحة خضراء، ما دفع ببعض السكان إلى أخذ المبادرة ووضع مغروسات خفيفة قرب أبواب منازلهم ،جل الأزقة متربة ومليئة بالحفر والغبار، نفايات متناثرة ومتراكمة على شكل مطارح عشوائية بأماكن خلفية وأمامية. داخل الحي، تجد النسوة والعجائز يجلسن عند أبواب منازلهم، وأخريات يباشرن الأشغال المنزلية، بينما يسند المسنون أجسادهم المنهكة على حجرات شبه متداعية لاحتساء أكواب الشاي والقهوة السوداء والابتسامة لاتفارقهم، رغم الفاقة وقلة الموارد المالية التي هافتقدتها جيوبهم. بناء عشوائي يقول حسن، أحد سكان الحي المذكور، الذي انتقل إلى حي الداوديات، إن مجموعة من المنازل شيدت بدون مواصفات السلامة والأمن ، مؤكدا بأن ما أسماهم ب"مافيات "البناء العشوائي العابتين بالفضاءات السكنية الملائمة استغلوا فقر الناس وحاجتهم إلى الاستقرار، واندفعوا بكل ماأوتوا من جشع واحتكار إلى تفريخ أكبر قدر ممكن من البناء المشوه من أجل الربح السريع. وأضاف في تصريح ل"المغربية"، بأن الحي العسكري تحكمه مرجعية قروية بكل المواصفات، فقبل أن يتناسل به البناء العشوائي منذ السبعينات من القرن الماضي، كان عبارة عن مستودعات قليلة متناثرة سرعان ما أحاطت بها أكواخ تفتقر لشروط العيش الكريم، فمعالم التسيب والفوضى التي طالت الحي المذكور منذ أن كان يسمى بحي "السبايس" وكان يتوفر على عداد وحيد للماء والكهرباء، قبل أن يعكف بعض المستشارين بالمجالس المتعاقبة على ربط تلك الأكواخ بالماء والكهرباء دون التفكير في شكل البناء ومصيره، فالمسؤولون بمقاطعة جيليز، التي ينتمي إليها الحي المذكور عجزوا عن إيجاد حلول عاجلة ومواتية للحي . "نحن نعيش في سكن ينتمي إلى ماقبل التاريخ... لكن الظروف وحدها فرضت علينا الإستقرار بالحي الذي يحتاج إلى إعادة الهيكلة، ومع ذلك لم نفقد الأمل ونرفض قرار ترحيلنا لأن الحي الذي نقطنه قريب من مختلف المرافق العمومية الضرورية" بهذه العبارة التي يمتزج فيها الأمل بالمرارة، انفجر أحد الجنود المتقاعدين غاضبا وهو يصف الظروف المأساوية، التي يعيشها كباقي سكان الحي العسكري بمراكش، مضيفا أن ما يناهز 600 أسرة تعيش في ظل هذه الظروف المأساوية، وجلهم من المتقاعدين، الذين لجأوا إلى امتهان حرف بسيطة حتى يتسنى لهم إعالة أسرهم. وحسب بعض المصادر المهتمة بالشأن العقاري بالمدينة الحمراء، فإن الحي العسكري تحول من حي يضم أسر وعائلات الجنود المغاربة، إلى فسيفساء يستقطب كل الفئات المجتمعية، وخاصة منها ذوي الدخل المحدود بحكم الأثمنة، التي كانت تباع بها المنازل، والتي كانت رخيصة بالنسبة لباقي المناطق، كما ساهمت هذه الوضعية في انتشار البناء اللاقانوني، ناهيك عن تردي البنية التحتية وافتقار الحي العسكري إلى مجموعة من الأساسيات، التي تحفظ كرامة السكان، وظلت البنايات تتناسل إلى أن بلغ عددها حوالي 5000 سكن. وكان مجموعة من سكان الحي العسكري معظمها من النساء الأرامل والشيوخ وأبناء الجنود ومتقاعدي القوات المسلحة الملكية، خرجت من المنازل للاحتجاج على القرارات المتخذة، القاضية بترحيل السكان إلى منطقة العزوزية من أجل هيكلة الحي العسكري وتهييئه لمشاريع سياحية ضخمة . ولم تفلح المساعي، والإغراءات التي اقترحها محمد امهيدية، والي جهة مراكش، الذي كان مرفوقا بعبد الكريم بزار، الوالي المكلف بالجماعات المحلية بوزارة الداخلية وعدد من المسؤولين الأمنيين من أجل ثنيهم عن مواصلة احتجاجاتهم واحتلال الشارع العام والقبول بالتعويضات الممنوحة، التي تعتبر مشجعة جدا مقارنة بما كان يقدم سابقا للسكان، الذين يشملهم قرار الترحيل، إلا أن المحتجين أصروا على أن يكون التعويض في الحي نفسه، الذي لا يبعد عن منطقة جيليز الراقية إلا ببعض الخطوات. ولتخفيف حدة الاحتقان، وامتصاص غضب المحتجين من خلال الشعارات، التي ظل يرددونها، طمأن الكاتب العام لولاية مراكش المحتجين بالقرار الجديد، الذي اتخذته السلطات المحلية، والذي يقضي بالاستجابة إلى مطالبهم والعدول عن قرار الترحيل، والكشف عن محضر موقع من طرف والي جهة مراكش وقائد الحامية العسكرية يؤكد قوله. إلا أن كل المحاولات ظلت تصطدم بالرفض، خصوصا بعد أن أبدى بعض المحتجين ارتيابهم من هذه الوعود، واعتبروها مجرد مسكنات من أجل فك الاعتصام بالشارع العام، وتفريق جموع المحتجين، مشيرين إلى أن وعودا سابقة لم يجر الالتزام بها، بل ذهب بعضهم إلى حد المطالبة بتأكيد هذه التصريحات أمام وسائل الإعلام المرئية، حتى يشهد على ذلك كل المواطنين.