على غير العادة، وبعيدا عن تاريخ 24 أكتوبر الذي اختاره الشاعر الفلسطيني محمود درويش تاريخا لتسلمه جائزة الأركانة في دورتها الثالثة سنة 2008، التي لم يمهله الموت لتسلمها في الفضاء الأثير لديه، وتسلمها بدلا عنه شقيقه أحمد وسط حضور بهي لمجموعة من الأصدقاء من الشعراء العرب والمغاربة، ينظم "بيت الشعر في المغرب" ومؤسسة الرعاية لصندوق الإيداع والتدبير، يوم 13 دجنبر المقبل، بالمسرح الوطني محمد الخامس بالرباط، حفل تسليم جائزة الأركانة العالمية للشعر، التي فاز بها برسم هذه السنة، وفي دورتها الخامسة، الشاعر والكاتب المغربي المقيم بين المغرب وفرنسا، الطاهر بن جلون، الحاصل على جائزة الغونكور، وعضو تحكيم هذه الجائزة الفرنسية الرفيعة. لم يكن "بيت الشعر في المغرب" يرغب في تغيير تاريخ تسليم الجائزة، لكنها مشاغل وظروف الشاعر الفائز الطهر بن جلون، التي تحكمت في الأمر، فلم يكن بإمكانه الحضور في ذلك التاريخ، ولا في التواريخ التي تلته، والتي سبق وأعلن عنها الشاعر نجيب خداري، رئيس بيت الشعر في المغرب ل "المغربية"، ولم يكن من الممكن تنظيمها في الشهر الجري، لأن قاعة المسرح الوطني محمد الخامس بالرباط، كانت محجوزة. وفي تصريح ل"المغربية" ذكر الشاعر مراد القادري، عضو المكتب المسير للبيت، أن حفل تسليم الأركانة العالمية للشعر هذه السنة سيكون مغربيا صرفا، لأنه سبق وعيب على الجائزة انحيازها للشعر الأجنبي والعربي، وعدم اهتمامها بالشعر المغربي، فهذه كما قال القادري، فرصة لإعادة الاعتبار للشعر المغربي، وخاصة للمتن الشعري الفرانكفوني. وأضاف القادري أن حفل الجائزة ستحييه مجموعة "ناس الغيوان" بناء على اقتراح من الشاعر المتوج، الذي سبق وكتب عن هذه المجموعة الغنائية المغربية الذائعة الصيت، كما سيصدر البيت بالمناسبة نفسها، منتخبات من شعر الطاهر بن جلون، قام بترجمتها إلى اللغة العربية والتقديم لها الناقد خالد بلقاسم، كما سيصدر بالموازاة مع الحفل عدد جديد من مجلة "البيت" سيتضمن حوارا مطولا مع الشاعر والكاتب عبد اللطيف اللعبي، ومنتخبات من شعر الراحل خير الدين، وقصائد أخرى باللغة الفرنسية، تتصدرها قصيدة للشاعر المتوج بجائزة الأركانة، الطاهر بن جلون. فبعد فوز الشعراء: الصيني بيي ضاو، والمغربي محمد السرغيني، والفلسطيني محمود درويش، والعراقي سعدي يوسف، بجائزة الأركانة العالمية للشعر في دوراتها السابقة، جاء الدور على الكاتب المغربي الطاهر بن جلون، الذي بدأ إنتاجه الأدبي بكتابة الشعر، كما جرى الالتفات للمتن الشعري الفرانكفوني، الذي لا يقل أهمية عن نظيره المكتوب باللغة العربية. وقد جاء في تقرير لجنة تحكيم الجائزة، التي تشكلت هذه السنة من الشاعر محمد السرغيني رئيسا، ومحمد العربي المساري، وعبد المجيد بن جلون، وحسن نجمي، وعبد الرحمن طنكول، ومحمد بناني، ونجيب خداري، وخالد بلقاسم أعضاء، أن استحقاق التتويج بجائزة الأركانة العالمية "لا يكرس الطاهر بن جلون شاعرا مغربيا منصتا لحوار العالَمِ وحسب، بل يكشف، أيضا، تعدد الألسن واللغات في خريطة الشعر المغربي المعاصر، وحيوية هذا التعدد في إغناء الشعرية المغربية". وأضاف التقرير "بالشعر بدأ الطاهر بن جلون الكتابة، قبل أن تقوده إلى السرد، لكن من غير أن يتنكر لفتنة البداية الشعرية ووعودها. هكذا أتاحت له الكتابة، على مدى قرابة نصف قرن، إقامة خصيبة بين شكلين إبداعيين، عرف الطاهر بن جلون كيف يدير حوارا سريا بينهما بما يقوي وشائجهما، في ممارسته النصية، ويجعل كلا منهما يتغذى من الآخر". وارتبطت كتابة الشعر عند الطاهر بن جلون، منذ إصداره "الذاكرة المستقبلية، أنطولوجيا الشعر المغربي الجديد" عن "دار ماسبيرو" سنة 1976، الذي قدم فيه، للمرة الأولى، شعراء مغاربة باللغتين الفرنسية والعربية، ودواوينه الشعرية، التي بدأها ب "رجال تحت كفن الصمت"، وأنهاها بمجموعته الأخيرة "جِنِين وقصائد أخرى"، بألمِ الإنسان وبالدفاع عن قيم الحرية والكرامة، وهو الارتباط، الذي تشعب في ما بعد، منصتا لهذا الألم لا في بعده الوطني وحسب، وإنما، أيضا، في بعده الكوني. مارس الشاعر الطاهر بن جلون الكتابة بما هي مسؤولية، وتصدى شعره للقضايا المصيرية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي تحضر في منجزه انطلاقا من رصد فداحة الدمار، ومن إدماج الشهداء الفلسطينيين في البناء النصي، بما يستتبعه هذا الإدماج من تفاصيل صامتة، تخول للقصيدة أن تواجه النسيان بلغة رفيعة، وأن تدين الخراب بإيقاعِ الكلمة الشعرية واستعاراتها.