تعززت المكتبات بالمغرب، بمكتبة وسائطية جديدة بالدارالبيضاء، تابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني، المعلمة الثقافية والمعمارية البارزة في المغرب، جرى تدشينها سابقا، وأعطيت انطلاقة برنامج الأنشطة الفكرية والثقافية بها، يوم 17 غشت الجاريبمحاضرة ألقاها البروفسور الفرنسي المسلم، عبد الحق برونو كيدردوني، خبير فيزياء الفلك، ومدير المرصد الفلكي الفرنسي، ومدير أبحاث شؤون الكواكب والمجرات في المركز القومي للبحوث العلمية، ورئيس المؤسسة الإسلامية للدراسات العليا المتطورة، ورئيس الشبكة العالمية للبحث حول العلم والدين في الإسلام. تمحورت المحاضرة، التي ألقاها البروفسور الفرنسي عبد الحق برونو كيدردوني، بحضور مجموعة من العلماء والباحثين والمفكرين، حول موضوع "الكون .. هل خلق للإنسان؟"، استعرض فيها جميع الأطروحات، التي تتحدث عن تطور علم الفلك، من كوبرنيك وما عداه، وخلص إلى أن الكون خلق من أجل الإنسان، وأن على هذا الأخير أن يحافظ عليه، وأن يهتم بالكرة الأرضية، لأنها من أكثر الكواكب هشاشة. انطلق كيدردوني، الذي جاء خصيصا إلى المغرب من أجل تدشين المكتبة الوسائطية لمسجد الحسن الثاني بالدارالبيضاء، من سؤال محوري "ما أصل الكون؟"، وقال إن هذا السؤال، الذي يبدو للوهلة الأولى على درجة كبيرة من البساطة والعفوية، والذي يجري أحيانا على لسان الأطفال، يعتبر في الواقع من أكثر الأسئلة الفلسفية عمقا وإشكالا، وقد شغل العلماء والفلاسفة وفقهاء اللاهوت منذ خمسة وعشرين قرنا. وأشار إلى أن هذا السؤال قد يحيل بدءا إلى إشكالية حرجة، فالكون، باعتباره "كل الموجود"، لا يمكن أن يصدر من "أيْنِيّةٍ" خارِجَهُ، وهذا موقف علم الكونيات المعاصر. وأضاف أنه "مع ذلك فإن معنى السؤال تغير تماما: فال" أين"، التي نحن بصددها تحيل في الواقع إلى مسألة بداية الكون وتطور تركيبته، والتساؤل عن "من أين يجيء الكون ؟" هو البحث في معرفة حالات الكون السابقة، أي تلك التي سبقت ما نراه اليوم، ولا تعدو الأجوبة، التي يقترحها علم الكونيات المعاصر، غير سرد لتاريخ الكون، تفاصيل لأحداث متتالية لتحولات شملت الموجود". وأوضح أنه إذا كان العلماء يعرفون الكون باعتباره "كل الموجود"، فذلك لأنهم لا يتصورون، في تقصيهم للعالم، سوى شكلا واحدا للكينونة، ذاك المتعلق أساسا بالمادة، أما الفلاسفة واللاهوتيون الموَُحِّدون فإنهم يرون أن السؤال حول نشوء الكون يبقى أساسيا تماما، إذا ما طرح في صيغته الطبيعية والبسيطة. فالكون أو الكوسموس أو العالم )ثلاثة مصطلحات تكاد تكون مترادفة، لكنها تستعمل في أنساق مختلفة( من وجهة نظرهم، هو "خلق " يصدر بالضرورة عن خالق موجود، وهذه الصفة واحدة من بين تلك الصفات التي يصدر "فعل" الله الأحد من خلالها، وبها يعرف. وأضاف أن "علم اللاهوت في الديانات التوحيدية الثلاث يشترك في فكرة أن الوجود مؤسس على معطى لوحي، وهو يأخذ عند المفكرين المسلمين شكل كتاب: هو القرآن، الذي يعتبر - حسب وجهة النظر الإسلامية - كلام الله، الذي نقله النبي محمد بكل أمانة. وبقراءة هذا الكتاب والتأمل فيه وفي تفسيراته الملهَمَة التي تضمنها حديث النبي، حاول هؤلاء تحديد علاقات الله مع العالم. فالإله المتكلم في القرآن هو عينه الله الأوحد، وهو نفسه إله اليهود والنصارى، مُنزَّهٌ ومتأصِّل في الآن نفسه". وقال البروفسور الفرنسي إن الله، من جهة ماهيته المطلقة مستحيل الإدراك، صحيح أنه لا يشبه العالم طلاقا، ولكنه أيضا حاضر وفاعل فيه، يراقب ويسمع ويتكلم، ولعله – وبشكل مفارق – بسببٍ من تعاليه المطلق يستطيع الفعل في العالم دون التأثر به، وبسببٍ من كونه "ليس كمثله شيء" يمكن أن يكون في الآن نفسه في غاية البعد وأقرب إليك من حبل الوريد. وفي الاعتقاد الإسلامي، فإن الأسماء الحسنى، التي يصف الله بها ذاته في القرآن، هي نفسها الرابط بينه وبين العالم، وهي التي تمكنُنا من معرفته ومعرفة أنفسنا في الوقت نفسه، ذلك أن العديد من أسماء الله الحسنى تدل على أفعال الله التي هي في علاقة وطيدة مع أصل الكون: هو المبدأ )الذي يبدأ الخلق(، وهو الذي يقضي وينشئ، وهو المقدّر، وهو الفعّال لما يريد هو، وهو الخالق البارئ. وقبل انطلاق المحاضرة الافتتاحية للبرامج الفكرية والثقافية للمكتبة الوسائطية بمسجد الحسن الثاني، أعلن بوشعيب فقار، عامل ومحافظ مؤسسة مسجد الحسن الثاني، أن تلك الأنشطة ستمتد إلى غاية 13 شتنبر المقبل بمشاركة عدد من العلماء والمفكرين والمبدعين المغاربة والأجانب. وقال فقار إن مؤسسة مسجد الحسن الثاني، التي يترأسها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، تهدف، من خلال هذه الأنشطة الفكرية والثقافية إلى التعريف بالمسجد ومهامه، باعتباره قطبا روحانيا وثقافيا بالدارالبيضاء، فضلا عن المحافظة على الرصيد المعماري لهذه المعلمة الفريدة، والمرافق الملحقة بها مثل المدرسة والمكتبة الوسائطية وأكاديمية الفنون التقليدية. وأبرز فقار أن المؤسسة تسعى، أيضا، إلى تسهيل الولوج إلى عالم العلم والمعرفة، وتخصيص مركز للموارد للفاعلين المحليين، والمشاركة في التنشيط الثقافي لمدينة الدارالبيضاء، وتوفير فضاءات للنقاش الفكري والتبادل الثقافي، وإظهار الجانب الإشعاعي للمؤسسة، مشيرا إلى أن المؤسسة ستعلن قريبا عن برنامجها لسنة 2011 . يتضمن برنامج الأنشطة الفكرية والثقافية للمؤسسة، الذي راعى خصوصية شهر رمضان الكريم، من خلال ملامسة الجوانب العلمية والتشريعية والعقدية والاقتصادية والفلسفية، مجموعة من المحاضرات منها "نحن والأزمة الاقتصادية العالمية"، و"جوانب من تاريخ الصحافة في مدينة الدارالبيضاء خلال فترة الحماية"، و"التجديد بين الدعوة والدعوى"، و"نظرات في السيرة النبوية الشريفة"، و"الأخلاقيات في ميدان الصحة"، و"تعامل المسلمين مع غيرهم". ويشمل هذا البرنامج، أيضا، تنظيم معرض للفن التشكيلي، للفنان عبد الله الحريري، وآخر للصور الفوتوغرافية يؤرخ للتطور الهندسي والمعماري للمساجد بالمغرب، منذ أقدم مسجد بالمملكة، كما سيجري إحياء ليلة للسماع لفرقة "الذاكرين" من الرباط. للإشارة، تضم المكتبة، التي تمتد على مساحة إجمالية تبلغ 12400 متر مربع، ثلاثة مستويات، اثنان منها خصصة للأطفال والشباب، وتتوفر على 860 مقعدا مخصصا للقراءة، ضمنها 107 مقاعد مجهزة بحواسيب موصولة بشبكة الإنترنت، فيما يبلغ الرصيد الوثائقي للمكتبة نحو 200 ألف وثيقة، منها 87 ألف وثيقة رهن إشارة العموم. وتتوزع فضاءات المكتبة الوسائطية، ما بين فضاء مخصص لفئة الصغار والأطفال والشباب، وفضاء مخصص للكبار، وفضاء ثالث مخصص لمدينة الدارالبيضاء، وفضاء عبد الهادي بوطالب، وفضاءات للإطلاع على الموارد المتعددة الوسائط، موزعة على كل المستويات، إلى جانب فضاءات أخرى، كما تتوفر المكتبة أيضا على مجموعة من الفضاءات الثقافية متعددة الاستعمالات، تشمل قاعة للمحاضرات بسعة 200 مقعد، وقاعة للعرض، وقاعات مجهزة بالحواسيب، وفضاء للحكي ومركز للموارد، مفتوح في وجه الجمعيات والفاعلين السوسيو ثقافيين.