مرت سنة على الانتخابات الجماعية، في يونيو 2009، ورفعت وزارة الداخلية، في عهد شكيب بن موسى، لتلك الاستحقاقات شعار "جماعات الغد". لكن، بعد مرور سنة على هذه التجربة، يتضح أن واقع مدن عديدة لم يتغير، إذ لم تتمكن العديد من المجالس الجماعية من أن تتخلص من الأساليب القديمة في التسيير، لنجد أنفسنا أمام جماعات تنتمي إلى العصور الوسطى، وليس إلى جماعات تستشرف المستقبل. وعوض البحث عن طرق جديدة لجلب الاستثمارات، والزيادة في مداخيل الجماعات، وإنجاز مشاريع اجتماعية تعود بالنفع على السكان، دخل أعضاء هذه المجالس في صراعات وحروب، استعملت فيها جميع أنواع الأسلحة، لأسباب سياسية ضيقة، يظهر من خلالها أننا نحتاج إلى زمن طويل، من أجل أن نحقق حلم "جماعات الغد". وحتى الوجوه الجديدة، التي دخلت غمار العمل الجماعي، وجدت نفسها حائرة، و"ما عرفاتش باش مبوقلة"، لأن العديد منها ولج عالم الجماعات دون حتى قراءة بنود الميثاق الجماعي، بل إن بعضها لا يعرف حتى عدد دورات المجلس، وهذا في الحقيقة ليس ذنب هذه الفئة، بل إن ذلك مسؤولية الأحزاب، التي رشحتها لهذا الغرض، وهذا الأمر من أبجديات العمل الحزبي في أي دولة في العالم، إذ تحرص الأحزاب السياسة، في الدول المتمدنة، على ترشيح أشخاص لهم تجربة في ممارسة السياسة في شقها المحلي، لأن ذلك قنطرة للوصول إلى أعلى المراتب على مستوى الدولة. وهناك أمثلة كثيرة من فرنسا، وبلجيكا، وألمانيا، لشخصيات وصلت إلى سلطة القرار عبر بوابة المجالس الجماعية، لكن، للأسف، ما زلنا في المغرب ننظر إلى المستشار الجماعي وكأنه سياسي من الدرجة الرابعة، أو الخامسة. وبالعودة إلى الأسباب، التي تهدد حلم "جماعات الغد"، فإن التحالفات السياسية التي شكلت عقب الانتخابات الجماعية، كانت جلها هشة، وكان الدافع الوحيد وراءها التحالفات هو كسب مكانة في التسيير، حتى لا تجد الأطراف نفسها في موقع المعارضة، الذي لا تربح من ورائه سوى "صداع الرأس". من جديد، وجد عدد من رؤساء المقاطعات في المدن، التي تشهد تطبيق نظام وحدة المدينة، أنفسهم يعيشون مرارة التجربة السابقة، إذ، رغم الحديث عن أهمية هذه المؤسسات في تفعيل سياسة القرب، ظهر أن هذه المقاطعات تفتقد وسائل العمل، وتحول بعض رؤساء المقاطعات إلى متسولين، يدقون باب رؤساء المجالس الجماعية، للرفع من الاعتمادات المالية المخصصة لهم. ولا يقتصرغضب رؤساء المقاطعات من ضعف المنحة، فقط، على من يتولون رئاسة المقاطعات الهامشية، بل، أيضا، مقاطعات كانت تدرج في النظام السابق في خانة الجماعات الغنية، فالمنحة، التي تقدم لها، لا تعادل حجم الفائض، التي كانت تحققه، ما يجعل هؤلاء ينتفضون ضد القرارات المتخذة، ويعلنون "العصيان"، في العديد من المناسبات، ضد رؤساء الجماعات. ويؤكد بعض المتتبعين للشأن المحلي أنه، إذا كانت هناك فعلا إرادة لبلوغ حلم "جماعات الغد"، فهذا يتطلب قراءة جديدة في طرق التسيير، وإعادة النظر في طريقة التقطيع الانتخابي، حتى يكون بمقدور حزب، أو حزبين على أكبر تقدير، قيادة المدن، بدلا من جيش من الأحزاب، لا يجمع بينها، ربما، حتى "الخير والإحسان".