في إطار برنامج مدن دون صفيح، انطلقت في النصف الأول من يونيو الماضي، إعادة إسكان قاطني دور الصفيح بلاد بلعباس، بالقصر الكبير، في تجزئة السعادة، الممتدة على أزيد من 10 هكتارات، بتمويل من وزارة الإسكان والتعمير، وعمالة العرائش. وكانت بلاد بلعباس، التي تقدر مساحتها ب 11 ألفا و697 مترا مربعا، موزعة على أزيد من 60 "براكة"، أراض متنازع عليها بين إدارة الأملاك المخزنية والمجلس البلدي لمدينة القصر الكبير، الذي تمكن من استصدار قرار من وزير المالية يقضي ببيع ثمانية هكتارات، ضمنها بلاد بلعباس، بثمن رمزي قدر ب 15 درهما. ورغم أن دور الصفيح تضم أزيد من 60 "براكة"، لم يستفد من إعادة الإسكان سوى 45 أسرة، سلمت لها بقع أرضية مساحتها 70 مترا مربعا، بعد إقصاء أصحاب الدور الفارغة، الذين لا يتوفرون على وثائق تثبت استغلالهم للدور. وزارت "المغربية" دور الصفيح ببلعباس والتقت إحدى المستفيدات من البرنامج، التي أعربت عن تفاؤلها، بعد تسلمها بقعة أرضية بتجزئة السعادة، وتخلصها من الظروف المعيشية الصعبة والمزرية، التي تفتقر فيها العائلات لأبسط الضروريات، لكنها أبدت تخوفها من أن تتحول تجزئة السعادة إلى دور صفيح أخرى بسبب الفقر المذقع، الذي يعانيه أغلب المستفيدين، لبناء مسكن لائق، يتوفرعلى التجهيزات الضرورية، من ماء وكهرباء وصرف صحي. وعن التكاليف المالية، قالت المستفيدة "في البداية، قدم كل مستفيد مبلغ ألفي درهم، وما زال مطلوبا 13 ألفا درهم، ولا نعلم أين سننفقها وكيف". ورحلت هذه المرأة إلى حيث جرى إسكانها، وتركت جارتها ،التي كانت تشاركها الممر نفسه المؤدي إلى مسكنيهما طيلة مدة 11 سنة، التي بلغ منها القلق والاستياء حده الأقصى. وقالت هذه الجارة "لماذا لم تستفد أسرتي، مثل جارتنا، ورغم أننا قمنا بالإجراءات سويا، فاللجنة أحصتنا ضمن الدور المسكونة، ووزعت علينا بطاقات تحمل أرقام مساكننا، ودفعنا مبلغ ألفي درهم، كما نتوفر على قرار استغلال البراكة من المجلس البلدي، وتركونا هنا وسط الحطام، ولو لم أتدخل لإيقاف الجرافة من هدم مسكني لبتنا في العراء، ولم يمنع ذلك من حدوث تشققات عميقة في أرجاء المسكن بعد هدم الدور المجاورة". لم تكن أسرة هذه المرأة الوحيدة، التي حرمت من الاستفادة من الأراضي، بل مازالت أربع أسر أخرى تعيش في ظروف اجتماعية سيئة، في خمس دور صفيح تضم ثلاثة إلى عشرة أفراد، محاطين بالردم من كل الجهات، وبالحفر، التي خلفتها عملية الهدم، مع تشقق بعض الدور، وتهدم أجزاء منها، ما قد يؤثر على سلامة سكانها، ناهيك عن انتشار الفئران والثعابين، التي تشكل الخطر الأكبر عليهم. وتروي زهرة ل"المغربية" معاناتها، بعد عملية الهدم، بقولها "أبيت ساهرة لحراسة ابني الوحيد من الفئران والثعابين، التي تهاجم البيت ليلا، والتي انتشرت بشكل كبير بعد إزالة الدور، التي كانت تحصن مسكني، خصوصا بعد أن هدمت الجرافة جزءا من المرحاض". ويعود سبب إقصاء هذه الأسر، حسب زوج زهرة، إلى استغلاله لملك جماعي آخر، مشيرا إلى أنه بعد قدوم اللجنة، التي أحصتهم ضمن السكان المستفيدين، وتأديته للمبلغ المذكور، اكترى ملكا جماعيا آخر قريبا من الحي الصفيحي، لكنه فوجئ بأن المجلس البلدي وضعه خارج لائحة المستفيدين، وليحصل على بقعة أرضية بتجزئة السعادة، تنازل عن حق الكراء لفائدة شخص آخر. وأشار إلى أنه، في حالة عدم استفادته ستكون كارثة، لأنه لم يعد يملك شيئا، ف"البراكة" سيجري هدمها، والكراء تنازل عنه، ولم يتبق له سوى بقعة بتجزئة السعادة، التي يقول إنه لن يتنازل عنها بأي وجه كان. من جهتها، أعربت عزيزة، التي تعمل حارسة بالمقبرة اليهودية، عن خيبة أملها بعد إقصائها من الاستفادة، مشيرة إلى أنها كانت أول من سكن بدور الصفيح بلعباس، ومع ذلك لم تستفد، لأنها لا تتوفر على أي وثيقة تثبت ذلك، باستثناء شهادة الجيران، وتضيف " وتيقولوا عندي دار في جبانية (مقبرة) اليهود، واش السكنى في الجبانية مع الموتى سكنى؟". ولم تكن حالة عزيزة وجاراتها الأخريات أفضل من حالة رحمة الكرفطي، صاحبة البراكة رقم 39، التي لم يتبق منها، بعد هدم الدور المجاورة لها، سوى غرفة سقفها وجدرانها من الحصير والبطانيات. وتضم هذه الغرفة، التي تصل مساحتها تقريبا مترين طولا ومتر ونصف المتر عرضا، كلا من الأم رحمة و ابنيها، وزادت معاناتهم مع أمطار يونيو الماضي. ويؤكد العربي، أحد أبناء هذه المرأة، أن عدم استفادتهم ترجع إلى عدم قدرتهم على أداء مبلغ ألفي درهم، وعدم توفر والدته على وثائق تثبت هويتها، من بطاقة التعريف الوطنية، وعقد الازدياد، وللحصول على ذلك، لابد من حصولها على شهادة تثبت علاقة الزوجية بين والديها. وقالت رحمة، ل"المغربية"، وعمرها يتجاوز 66 عاما، "يطالبونني بإثبات علاقة الزوجية بين والدي، وكل ما أذكره، أن أمي توفيت وتركتني صغيرة رفقة أختي، بعدها، توفي والدي وتركنا في هذه البراكة، التي تهدمت عن آخرها. والآن لا أذكر عنهما شيئا، ولا حتى الناس الذين يعرفونهم لأدعوهم للشهادة". وتضيف أنها لا تتوفر على المبلغ الواجب أداؤه، لأنها تعيش وابنيها على ما يجود به "الجواد". ورغم ذلك، لم تفقد هذه الأسر الأمل في الحصول على بقع أرضية بتجزئة السعادة، ومازالت تتشبث في أحقيتها في امتلاكها، وتنتظر ما ستحمله اللجنة، التي وعدت بدراسة وضعيتهم.