أفادت مصادر مقربة من التحقيق أن بارون المخدرات ميمون السوسي، الذي كان فر من سجن زايو (إقليمالناظور)، بطريقة مثيرة، منذ قرابة سنتين، استطاع التستر والانتقال بكل حرية داخل المغرب وخارجه، بفضل بطاقة تعريف وطنية صحيحة وحقيقية، جرى تزوير بياناتها وشهاداتها المرجعية..ما يدل، بشكل لا يدعو إلى الشك، أن هذه البطاقة الإلكترونية يستحيل تزويرها من الناحية التقنية الصرفة. قصة هذه البطاقة، وفق ما أكدت المصادر ل"المغربية"، تعود إلى اليوم الذي اتصل فيه بارون المخدرات، الموقوف، بأحد معارفه بمدينة الناظور، طالبا منه البحث عن حل لاستصدار بطاقة تعريف قانونية لفائدته، دون أن تحمل اسمه، أو البيانات والمواصفات الشخصية المتعلقة به، وتسمح له بالتالي بحرية الحركة والتنقل. مباشرة بعد ذلك، قام قريب ميمون السوسي بالاتصال بصديق له، موظف يقيم بمدينة الرباط، وطلب منه توفير الطلب الإجرامي الصادر عن بارون المخدرات الفار. وبعد مرور أيام من توصل الموظف المذكور بالطلب الإجرامي، تضيف المصادر ذاتها، قام باصطياد فريسته، وهو موظف (شرطي) يعمل بالمصلحة المركزية المكلفة بإصدار بطاقة التعريف الوطنية، الذي بدوره وعده بأن يستصدر له بطاقة تعريف صحيحة مقابل مبلغ مالي، على أن يقوم الوسيط باستصدار شهادة ازدياد، وشهادة سكنى إدارية باسم آخر غير اسم ميمون السوسي. بعد مرور فترة وجيزة، تبرز المصادر، تسلم الموظف (الشرطي) من الوسيط شهادة الازدياد، وشهادة السكنى الإدارية المتفق عليها، وتوجه إلى إحدى دوائر الشرطة بالرباط، وعن طريق استغلال نفوذه المهني استصدر شهادة سكنى باسم الشخص المسمى في عقد الازدياد وشهادة السكنى، دون حضور ميمون السوسي، أو صاحب البيانات المذكورة في الوثيقتين الإداريتين، متذرعا بمعرفته الشخصية للمعني بالأمر، الذي يستحيل عليه الحضور بنفسه. وبهدف إكمال فصول الجريمة، طلب الموظف (الشرطي) من الوسيط أن يمده بعينة من البصمات غير تلك الخاصة بميمون السوسي، وصور فوتوغرافية لهذا الأخير، وهو الأمر الذي حصل في فترة وجيزة. ومباشرة بعد استكمال جميع وثائق ملف الحصول على البطاقة الوطنية، عمد الموظف الشرطي، من جديد، إلى استغلال نفوذه المهني، وقام باستصدار بطاقة التعريف دون حضور المعني بالأمر، وهي بطاقة تعريف قانونية وحقيقية، لكن ببيانات وشهادات مرجعية مزورة، سمحت لبارون المخدرات بالفرار من قبضة الشرطة والعدالة لمدة طويلة. وعلاقة بالموضوع، ذكرت مصادر أمنية أن خصوصيات بطاقة التعريف الوطنية الجديدة جعلت من تنفيذ بعض الأفعال الإجرامية أفعالا مستحيلة الوقوع، خصوصا تلك التي لها علاقة بتزوير البطائق التعريفية، على اعتبار أنه أصبح في غير مقدور المجرمين أن يقوموا بالتزوير المادي والتقني لبطاقات التعريف، أي إقحام إضافات عليها أو تغيير الصورة الأصلية. وأمام هذا الوضع، تشرح المصادر ذاتها، سيضطر الفاعل الإجرامي إلى عمليات احتيالية معقدة جدا، بهدف استصدار بديل "مزور" لتلك البطاقات. من جهة أخرى، لم تخف المصادر أنه، إضافة إلى الفوائد العملية لبطاقة التعريف الوطنية الإلكترونية في تمتيع المواطنين بالعديد من الحقوق، يأتي العمل بالبطاقة الجديدة في إطار استراتيجية أمنية جديدة، تتأسس على مفاهيم الوقاية الوضعياتية "بريفونسيون سيتيسيونيل"، وهي عبارة عن إجراءات ومساطر وتدابير شرطية مبتكرة من أجل تعقيد السلوك الإجرامي، ومنع الفاعلين الإجراميين من تنفيذ الركن المادي للجريمة. وخير دليل على ذلك، تؤكد المصادر، هو أن بارون المخدرات أسقطته تلك البطاقة الحقيقية "المزورة" في يد العدالة عندما قامت بقراءتها على الجهاز المعد لذلك، إذ تبين أن البصمات والبيانات المدمجة فيها تخص شخصا آخر سرعان ما جرى القبض عليه هو الآخر. يشار إلى أنه، مباشرة بعد إيقاف بارون المخدرات، قامت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالتحقيق معه في تفاصيل عملية الفرار، والتحري عن الأشخاص، الذين قاموا بمساعدته في تنظيم تلك العملية.