كشفت صحيفة الصباح أن فقهاء القانون الدستوري والباحثون في العلوم السياسية يجمعون على أن الدستور وضع من أجل ضمان الآليات المؤسساتية لتدبير شؤون البلاد، وبالتالي لا يمكن تحت أي مبرر، السماح بإلحاق أضرار بمصالح البلاد، وتعطيل مؤسساتها، لأن رئيس الحكومة المعين فشل بمنهجيته في المشاورات، في الحسم في طبيعة الأغلبية التي يسعى إلى التحالف معها، رغم مرور أزيد من شهر على انطلاق الجولة الأولى من المشاورات. ويبدو أن رئيس الحكومة مصر على رمي المسؤولية في هذا الفشل إلى باقي الأحزاب، واتهامها بمحاولات الانقلاب على الشرعية الانتخابية، وهي الوضعية التي صعبت مأموريته في تدبير المفاوضات، وتهدد اليوم بالمزيد من هدر الزمن السياسي وتعطيل المؤسسات. وأمام الأزمة التي باتت تخيم على المشهد السياسي، أصبح من الضروري، العودة إلى الدستور والمجلس الدستوري، لتفسير النص 47، بما يسمح برفع الضرر، الذي بات يشكله فشل رئيس الحكومة في تشكيل الأغلبية، دفاعا عن مصالح البلاد واستقرارها، وضمان عمل مؤسساتها، بعيدا عن مخاطر الشلل والهروب إلى الأمام من قبل بعض الأحزاب. فشل بنكيران في تشكيل الحكومة اسليمي أستاذ العلوم السياسية قال إن الوضع يفتح الباب أمام الفصل 47 لتجاوز الأزمة أكد منار اسليمي، أستاذ العلوم السياسية والسياسات العمومية بجامعة محمد الخامس اكدال بالرباط، أن عبدالإله بنكيران بصفته رئيس حكومة مكلفا، وأمين عام العدالة والتنمية الفائز في الانتخابات غير قادر على قراءة الأحداث في المغرب واستيعابها بطريقة جيدة. وتساءل اسليمي كيف لرئيس حكومة مكلف أن يختار توقيت احتضان المغرب لمؤتمر عالمي للمناخ، ليطلق تصريحا عبر موقع الحزب حول الصعوبات المرتبطة بتشكيل الحكومة والتركيز على فكرة "إرادة المواطنين"؟. وأوضح اسليمي في حديثه مع "الصباح" أن المفترض في رئيس الحكومة المكلف أن يغلق جميع النوافذ التي من شأنها فتح نقاش جانبي على هامش مؤتمر عالمي كبير، وضمنه مؤتمر قاري إفريقي يسلم مفاتيح الترافع والقيادة للمغرب داخل إفريقيا، مؤكدا أن رئيس الحكومة المكلف وقع في خطأ كبير غير محسوب ما دام أن تشكيل الحكومة لا يعني الأحزاب المتصارعة وحدها، وكان من الممكن تأجيل كل التصريحات المرتبطة به إلى حين انتهاء قمة المناخ بمراكش . وأوضح الباحث في العلوم السياسية أن المغرب دخل أزمة حكومية لثلاثة أسباب رئيسية متكاملة، أولها طول المدة الزمنية التي قضاها بنكيران في المشاورات، والتي لها تأثير على باقي المؤسسات، منها البرلمان الذي مازال في حالة عطالة، ولن يكون بإمكان نوابه مناقشة مشروع قانون المالية بدون مراكمة خبرات كافية، فقد يكتفون بالتصويت فقط، أيضا قد تكون سنة ضائعة، مادام أن البرنامج الحكومي ستطول مدة إعداده ومناقشته، وبالتالي، سيواجه المغرب هدرا كبيرا للزمن السياسي ستكون له كلفته الداخلية والخارجية. أما السبب الثاني، يقول اسليمي، فمرتبط بالخطأ الذي ارتكب بخصوص استقالة الوزراء الفائزين في الانتخابات، فالوضع الحكومي الآن فيه حكومة شبه تصريف الأعمال، وهي حالة غير عادية، فالاستشارة القانونية التي قدمت لهؤلاء الوزراء بالاستقالة لم يتم التفكير في تكلفتها مادام تشكيل الحكومة غير مرتبط بمدة زمنية. وأكد الأستاذ الباحث أن السبب الثالث يتعلق بتحول الصراع بين قيادات أحزاب التشاور إلى صراع شخصي، وعودة بنكيران إلى استعمال خطاب الحملة الانتخابية، أي ما يمكن تسميته خطاب المؤامرة بين المتشاورين . ويرى رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، أن المشهد السياسي مقبل على سيناريوهين، الأول أن تتجسد أزمة المشاورات الحكومية في شخص بنكيران، بعدم قدرته على إقناع الأطراف الأخرى، وعودته إلى خطاب الحملة الانتخابية بالهجوم على القيادات المتفاوض معها، وهو الوضع الذي يفتح إمكانية قراءة الفصل 47 من الدستور من مدخل تعيين شخص ثان من العدالة والتنمية لتشكيل الحكومة، بدل عبدالإله بنكيران. وأكد اسليمي أن الفصل 47 ينص على أن الملك يقوم بتعيين رئيس حكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وهو فصل مغلق، ولا يسمح بالذهاب للحزب الثاني، ولكنه مفتوح على تعيين شخص ثان، بدل الشخص الأول الذي تم تكليفه، وأصبح أمام حالة فشل في تشكيل الحكومة، وهي حالة بنكيران اليوم. وأمام هذه الوضعية، يقول اسليمي، نحن أمام إمكانية دستورية يمكن اللجوء إليها في حالة التأخر، وظهور خلافات مرتبطة بتصريحات لرئيس الحكومة المكلف تحولت إلى عائق لتشكيل الحكومة. السيناريو الثاني، وهو الذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها، موضحا أن هذا السيناريو صعب التكلفة، نظرا للصعوبات المادية واللوجيستية لتنظيم الانتخابات والصعوبات المرتبطة بعودة المواطن للمشاركة. حكومة مهددة بالسقوط في نصف الولاية في جميع الحالات، يقول اسليمي، يبدو أن الحكومة إذا تشكلت، فإن الخلافات التي ظهرت تؤشر على إمكانية سقوطها في منتصف الولاية البرلمانية الحالية، وقد نكون أمام مشهد سياسي آخر مختلف، لأنه لا يمكن لحكومة ائتلافية مكونة من سبعة أحزاب أن تتحرك بشكل عاد في محيط فارغ لا توجد فيه معارضة، نتيجة المشاكل التي بدأت تظهر في الأصالة والمعاصرة الذي لن يكون قادرا على المعارضة، مع تغيير التوازنات نحو الفاعل الجديد المتمثل في التجمع الوطني للأحرار، والذي قد يعمد إلى ممارسة معارضة بطريقة أخرى من داخل الحكومة بنقل المعركة إلى صراع حول التدبير، ورفع سقف التنافس بين القطاعات الوزارية .