اختار زاوية جانبية من ساحة سيدي عبد الوهاب بوجدة، انتزع مكانا وسط الباعة الجائلين و" الفراشة ". جلس الرجل الطاعن في السن يصفف الخبز فوق عربة صغيرة، أوصته زوجته التي تحضر له الخبر كل يوم أن يبيع كل صنف بثمن.. أسند ظهره على الحائط وراح يراقب بعينيه الغائرتين حركات المارة ، لعل يدا تمتد إليه وتقتني منه " خبز الدار". فجأة أحاطت بالمكان الشرطة الإدارية،هي عادة تقوم بدورية روتينية لتحرير الساحة والأماكن العمومية من محتليها.. فر الباعة بسلعهم في كل اتجاه، وبقي العجوز الذي أنهكته قواه وسنوات العمر قابعا في مكانه. احتجزوا عربته وخبزه، لم تشفع توسلاته وبكائه وسنه.. هالني المنظر، دنوت منه وسمعته يردد كلمات مبحوحة: « أنا أبيع الخبز من أجل دراهم معدودة حتى لا أمد يدي لأي أحد ». تألمت لحاله، وفي نفس الوقت أحسست بقيمة الرجل وبشموخ كرامته وانسانيته . التفت من حولي فوجدت الناس تجمهروا حول العجوز، جذبتهم دراما المشهد وصورة الرجل الحزين، قال أحدهم: « نحن نجري وراء " الخبزة " وهادو ياخذوا " الخبزة " ساهلة » شاطره الرأي شاب في مقتبل العمر : « الخبزة صعيبة ومرة في هذا البلد شي لاقي خبزة ونصف، شي ما لاقي حتى نصف خبزة ». انصب كلام المتجمهرين حول الخبز بمفهومه الاجتماعي والسياسي. تدخل شخص تبدو من ملامحه علامات الغضب والنقمة على الوضع : « في بلدنا هناك من يلهث وراء " الخبزة " كل يوم وهناك من يأكل الخبزة ساهلة وكاع ما يعرقش عليها» قاطعه أحدهم : « صدقت ابنتي مجازة عاطلة ومنذ سنوات وأنا أبحث لها عن أي عمل .. غير باش تضمن خبزتها ومستقبلها ». يتكرر سيناريو لعبة القط والفأر كل يوم بين رجال الأمن والباعة المتجولين لكن حادث استهداف العجوز ( بائع الخبز ) صنع نقاشا عفويا في ساحة يؤمها الجميع . وتمحور النقاش حول محن الحصول على " الخبزة " فتذكرت قصيدة محمود درويش «أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي»، وخبز جميع الأمهات الذي لا يعلى عليه. واستحضرت أيضا " الخبز الحافي " لمحمد شكري، وكل خبز يشتهيه الكادح أو العاطل أو الباحث عن لقمة العيش.