وليس شروط مواجهة عنف التطرف بالأمن!! أ مساكين هم... أم مجانين... أولئك الذين يستعجلون سمن وعسل مشروع الإصلاح في عشر سنوات.. دون إدراك تَرِكَة ما قبل مشروع الإصلاح في إبعادها التاريخية الموضوعية والذاتية في الداخل والخارج.. ولا يمكن اختراق صيرورتها التاريخية بالقفز على مراحلها عبر مواجهة العنف بالأمن.. وإنما على طاولة الحوار بمواجهة الفكر بالفكر.. ان التاريخ يضعنا أمام واقع عِبَرٍ مازال يضخ ذاكرتنا بعبره.. وهو انه إذا صبر مواجهة الفكر بالفكر.. فانه لا طريق إلا طريق مواجهة العنف بالأمن.. وهو ما ترفضه خلق فرص عمل للشباب العاطل عن العمل، فالبطالة المتفشية في أوساط الشباب وتفاوت نسبة الفرص بين دولة وأخرى في المنطقة، أو بين منطقة وأخرى في الوطن الواحد، تدفع بعضهم إلى الارتماء في أحضان إغراء بعض هذه الجماعات رغبة في الارتزاق والكسب السريع. - تفعيل التربية على المواطنة والواجبات، فالإنسان كائن اجتماعي يتأثر بالبيئة وبالمجتمع الذي يعيش فيه، لذلك على الدول أن تضع في استراتيجياتها خططًا لتأهيل أبنائها اجتماعيًا ووطنيًا وأخلاقيا، بما يخدم المثل العليا في الحياة ويرفع من قيمة الإنسان. ومن هنا ضرورة التدريب على بناء مواطنين يعرفون حقوقهم وواجباتهم في مجتمع يكون الدين فيه خيارًا إيمانيًا وسلوكيًا حرًا لهم، وليس سلوكًا مفروضًا في تفاصيل الحياة السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية، فتلك الأمور تعود إلى الدولة كناظم ومسئول عن إدارة شؤونهم الحياتية. - عدم زج الدين في آليات السياسة والسلطة والحكم في الدولة بشكل مباشر، فاستخدام الأديان والمذاهب في الصراعات الداخلية لأهداف سياسية أو مصلحيه، أو إدارية وزجِّها في آليات عمل الدولة، أدى ويؤدي إلى اصطفاف اجتماعية وسياسية ومذهبية ودينية تؤثر على حسن أداء الدولة كمؤسسة جامعة وعادلة، وتأخذها إلى الانهيار. وبالتالي فإن المجتمع ينحو إلى التفكك، ما يفتح الباب واسعًا لدخول التيارات المتطرفة التي تستغل هذه الثغرات لتعشش وتنمو وتشكل خطرًا كامنًا أو مباشرًا على الدولة والمجتمع. لذلك من المفترض بالسياسيين أن يبتعدوا في خطابهم وممارساتهم عن الخطاب الديني والمذهبي الذي يفرق، وأن يركزوا فقط على البعد الوطني والاجتماعي والحزبي السياسي الذي يجمع. أما «الوسائل الناعمة» غير المباشرة فتتمثل ب: .. وانه لمن العيب والخجل ان نرى من يعمل حثيثا في وضع عربة مواجهة العنف بالأمن أمام حصان مواجهة الفكر بالفكر الذي يتوثب وطنيا في دفع قافلة الحوار مساراً عقلانياً على طريق إنقاذ الوطن!! وكنت محزوناً وأنا أتلفت هنا (...) وأتلفت هناك (...): ولسان الحال يقول: أرادوها فتنة طائفيّة... ونريدها... كما أرادوها!! على أن الأزهر لديه من القوى التي تستطيع أن يرد بها على كل ملحد أو إرهابي، ولا ينقصه شيء إلا أن يتكاتف معه الإعلام الصحيح". قد أشار هؤلاء الفقهاء إلى مبرّرات هذا الحكم التّحريمي في حفظ كتب الضّلال، فذكروا أوّلاً أنَّ العقل يحكم بقطع مادّة الفساد، ولما كان الحكم العقليّ يستتبع الحكم الشّرعيّ للملازمة بينهما، من خلال إدراك العقل للملاك الملزم الّذي جعله الشّارع أساساً لأحكامه، فلا بدَّ من الوصول إلى نتيجة التحريم في هذه المسألة، ولا بدّ من قطع جذور الفاسد الفكريّ والعمليّ، فلا فرصة له للنموّ والانتشار. ولكنّنا نلاحظ على ذلك، إمكانيّة التحفّظ عن هذا الحديث في نسبة الحكم التحريمي إلى العقل، لأنّ حكمه يتمحور في دائرتين: "العدل والظّلم"، و"الطاعة والمعصية"، فقد ذكروا أنَّ الحكم بحسن العدل وقبح الظّلم، من المستقلات العقليّة التي تُرجع حسن كلّ حسن، وقبح كلّ قبيح في أفعال الإنسان، إلى هذين العنوانين، كما ذكروا أنّه يحكم بحسن الطّاعة للمولى الواجب إتباعه، وقبح المعصية له. فنلاحظ في الدّائرة الأولى، أنَّ العقل يحكم بقبح ممارسة الفساد العملي، ولكنه لا يحكم بقطع مادّته في الواقع، وذلك بإتلاف كلّ ما يؤدّي إلى الفساد، ولو كان ذلك ثابتاً، لكان من المفروض أن لا يخلق الله كلّ الموادّ التي ينشأ منها الظّلم والفساد في الكون، وكلّ الناس الذين يظلمون الناس الآخرين، ولكنّ الله خلق ذلك كلّه، لأنّ وجود مثل هذه الموجودات لا يحقّق النتائج السلبيّة بطبيعته، ما لم تتحرّك الإرادة الإنسانيّة للاستفادة منه سلبياً، من موقع الاختيار السيّئ للإنسان. أما مسألة الطّاعة والمعصيّة، فلا علاقة لها بوجود المادّة في نفسها، بل هي كمسألة العدل والظلم مرتبطة بالجانب العملي للإنسان، في حركته أمام أوامر الله ونواهيه.
وإذا كان للإسلام أن يتابع حركته وامتداده في الحياة، وأن يعمّق حركيته في واقع الإنسان، فلا بدّ له من أن يبقى في دروب الحريَّة، ليتابع تطوّراتها الميدانية، ويجيب عن كلّ علامات الاستفهام في داخلها، ولا سيما في ساحة الصّراع العالميّ، في الحريّة الفكريّة والسياسيّة، في دائرة التعدّدية في خطّ حقوق الإنسان، فإنّ ذلك هو الّذي يمثّل دخوله في عمق النّشاط الإنسانيّ المتنوّع في حركة العصر الحاضر، بدلاً من أن يكون معزولاً عنه في زواياه الضيّقة، التي لا تحتوي ساحاته، ولا تجيب عن علامات الاستفهام فيه، لأنَّ تصوّري أنَّنا إذا لم نواجه الواقع بهذا المستوى، فمن الصَّعب أن يكون لنا موقع متقدِّم كبير في حركة الإنسان الحضاريَّة، فلا يكفي لنا أن نربح جولةً في حركة الثورة، وفي واقع السياسة، وفي بعض عناوين الفكر، بل لا بدَّ من مواجهة الناس في حاجاتهم، ورعاية العصر في مشاكله وتحدّياته، حتى نستطيع اجتذاب الناس إلى فكرنا، والعصر إلى ساحاتنا، لأنَّ الواقع قد يتفاعل معنا في البدايات، من خلال العناوين الكبيرة، ولكنّه إذا واجه حاجاته الحيويّة في تفاصيل حياته، يقف بقوّةٍ ليطالب بها، لأنّ الناس لا يأكلون دائماً ثورةً وحماسةً وانفعالاً، بل يريدون تفجير إنسانيّتهم في واقع وجودهم، وتحرير إرادتهم من الضّغوط التي تمنعها من الانطلاق في الدّاخل والخارج، من خلال السؤال الذي يفرض نفسه: لقد حرّرتم الناس من سيطرة الاستكبار، فهل حرّرتموهم من الظلم الداخلي الذي يستلب إنسانيّتهم؟ وهل أنقذتموهم من الجهل والتخلّف والجوع والحرمان والضّغط الفكري والنفسي والعملي؟ (و) مبدأ المواطنة والمساواة السياسية والقانونية بين المواطنين بصرف النظر عن الدين أو العرق أو المذهب أو الجنس». ولاستكناه الموقف القومي بدقة فان الحروب يغوص في أدبيات القوميين العرب في القرن العشرين، ويقسم التيارات القومية إلى أربعة من زاوية موقفها من مبدأ المواطنة، وهي: تيار فكر المؤسسين الأوائل من وزن الحصري، وتيار الفكر القومي العلمي، وتيار الفكر القومي الاشتراكي، وتيار الفكر القومي الراهن. ويرى الحروب أن غياب مفهوم المواطنة بمعناه الحديث عن تيارات الفكر القومي العربي يعود إلى عدة أسباب هي: أولاً، غلبة تنظيرات دور الدم واللغة والتاريخ (الألمانية) في تشكيل الوعي القومي على حساب تنظيرات الحقوق والواجبات (الفرنسية) في تشكيل أي مجتمع قومي حديث، وثانياً، ضغط أولويات التخلص من الاستعمار والتبعية للخارج، وبناء دولة ما بعد الاستقلال بالتوازي مع مواجهة التحدي الصهيوني، وثالثاً، الموقف المتشكك الذي اتخذه الفكر القومي الكلاسيكي من قيام ديمقراطية عربية في الدول التي سماها دول «التجزئة القطرية». وكلا الفصلين يتضمنان قراءة معمقة لمفهوم المواطنة في الحالتين، الأول في حالة النساء والثاني في حالة المواطنين بشكل عام.