يبدو من خلال تعنت رئيس الحكومة أنه يجب الانتقال إلى مرحلة ما بعد النقد، لأنه لم يعد يجدي نفعا معه، لا بل زاده تعنتا وتصلبا، خاصة مع الضغوطات التي أمسى يتلقاها هنا وهناك. فما إن تمرغ به اللوبيات الداخلية الأرض حتى يحين دور اللوبيات الخارجية التي تذله وتستصغره، بعد أن وضع نفسه في مقدمة الحرب من دون أن يحمل سلاحا. أمام كل هذا، اختار أن يكبل يديه رجليه وأن يرضخ لثقافة الخنوع لمن يسميهم التماسيح والعفاريت واستأسد على من هم من بني جلدته من البسطاء والكدح وغيرهم.. بالرجوع إلى ما الذي قام به بنكيران، وما هي الحسنات التي تحسب له، نجد فقط فرض الضريبة على الرواتب الإضافية، ووضع قانون ينظم الولوج للمناصب السامية، أما عدا ذلك فلا يعدو أن يكون كلاما في كلام ولغوا لا صحة له ولا أساس. يعرف السيد رئيس الحكومة أنه قد ارتكب غلطة عمره عندما أقحم نفسه في حكومة فرضتها ظروف معينة ومعطيات معينة ; أي فرضتها احتجاجات ومظاهرات ومطالب بالإصلاح ومحاربة الفساد. وللمفارقة لم يشارك حزبه في هذه المظاهرات والاحتجاجات لأسباب اشتمت منها رائحة صفقات، بوادر أولى للتملق من طرف الحزب بغية الوصول إلى السلطة المزعومة بأي ثمن، بمعنى آخر أراد أن يستغل الوضع لصالحه. وبالفعل فقد استغله وتمكن من الوصول إلى السلطة بفضل أتباعه المصوتين ومقاطعة غالبية الناخبين للانتخابات، وهذا ما جعل الكثير من المتتبعين يرون أن عبد الإله بنكيران ليس ممثلا للشعب وإنما هو ممثل لأتباعه وفقط... ولعل ما زكى كل هذا، هو قراراته التي استهدفت المواطن البسيط بالدرجة الأولى، من خلال رفع الأسعار، وعد إيجاد فرص شغل جديدة لأبناء الشعب من المعطلين. وعلى ذكر هؤلاء المعطلين فقد تحول النزاع بينه وبينهم إلى نزاع شخصي، وانتقل إلى ما هو مؤسساتي بعد أن وصل للسلطة. أمر أكده رئيس الفريق البرلماني عبد الله بوانو لحزب العدالة والتنمية في إحدى خرجاته مؤخرا. فالسيد بنكيران لا يقبل النقد، ولا ينسى خصومه الذين يعارضونه ويعارضون سياسته، تجلى ذلك من خلال مظاهرات ومسيرات حاشدة قام بها ضده المعطلون في سلا معقل ترشحه قبيل انتخابات 25 نونبر بقليل، وفي أماكن أخرى.. لذلك، أصبح رئيس الحكومة يكن عداء لهم، ولا يطيق أن يستجيب لمطالبه ويرهن ولوجهم للوظيفة باستقالته من رئاسة الحكومة متحديا القوانين والمراسيم. هذا رغم أن الكل يعرف أن بنكيران مجرد وسيط للمعطلين في ملفهم، وأن من يدبر هذا الملف هم آخرون أعلى منه شأنا.. آخر خرجات السيد بنكيران ومن معه، مشاركته في جريمة سيعرف صداها مستقبلا من خلال رضاه عن إملاءات صندوق النقد الدولي الذي دعا إلى خفض- إن لم نقل حجب- التوظيف في القطاع العام مقابل التشجيع على القطاع الخاص بغية تخفيض كتلة الأجور وخلق التوازن كما يزعمون. هي قرارات سيكون لها تأثير على المواطنين البسطاء والكادحين، وحتى الميسورين أيضا الذين يرون في الوظيفة العمومية منقذا لهم ولعائلاتهم مادام أن القطاع الخاص في المغرب غير مهيكل، وليست فيه أي ضمانات...