يحدث عادة أن نستحضر الأدب المغربي في سياق عربي صرف، وقد يحدث أيضاً، في بعض الأحايين، أن نفكر فيه انطلاقاً من خصوصية أمازيغية محضة دونما الانتباه إلى تواشجاته وتداخلاته مع ثقافات أخرى. مثلا لماذا لا نستحضر البعد الإفريقي في أدبنا المغربي؟ لماذا لا يتغنى الأدباء المغاربة بالزنوجة والانتماء للقارة السمراء على منوال كُتاب افريقيا جنوب الصحراء وبعض الأدباء السودانيين؟ في ظل تحاشي المكون الزنجي وإبعاده عن مشهدنا الأدبي، يأبى الكاتب المغربي رشيد الهاشمي، المنحدر من قصر الدويرة بإقليم الرشيدية، في إصداره الأول "ذاكرة النرجس"، الصادرة عن دار روافد للنشر والتوزيع، إلا أن يقدم نفسه كروائي عربي إفريقي يضع تيمة الزنوجة وتجليات تشظي الحياة السوداء في صلب اهتماماته، وذلك في محاولة للتوفيق بين الولاء للعروبة والزنوجة في آن واحد وخلق جوارٍ خلاق بين الثقافتين. بدل أن يقترح علينا قصة واحدة تسلط الأضواء على صور الاغتراب والضياع التي تناغلت في مناحي حياة الزنوج المغاربة، يقترح علينا المؤلف حكايتين متوازيتين: كل واحدة منهما تتعاطى للموضوع على طريقتها، إذ تعرض القصة الأولى تفاصيل حياةِ أستاذة للتاريخ لم يعد يهمها في هذه الدنيا سوى النبش في مخطوطة قديمة لبلوغ حقيقة أصول أجدادها الأولين لكن مشروع البحث الهوياتي، في نهاية المطاف، قوض من أساسه، بينما تُدخلنا القصة الثانية في متاهات قصة شاب أسود تنصل عن زنجيته وانخرط بشكل فعلي في حياة رتيبة مع أمه الفرنسية بالتبني، لكن الهروب من الذات والعيش في غمار أكذوبة لا يفضي إلا إلى مزيد من الانهيارات والتصدعات. هكذا إذن يختار صاحب "ذاكرة النرجس" أن يؤثث فضاءه الروائي بأمكنة موالية للزنجية (الصويرة وسجلماسة)، وبشخوص "زنوج مغاربة" يحاربون، كل على طريقته، من أجل "الانعتاق" من قيود المجتمع التي تضع السود في مرتبةٍ أدنى من غيرهم ونيل "الحرية" و"الخلاص من العبء" في واقع يكرس هيمنة البيض. يقدم الكاتب الزنوجة إذن باعتبارها ثقافة مضطهده ومغبونة في المجتمع المغربي، وذلك راجع أساساً للظلم التاريخي الذي مورس على السود، الشيء الذي دفع بعضهم إلى الانصهار في مجتمع البيض ناكراً لأصله، هاربا من ثقافة أجداده الأولين (حكاية العبدي)، في حين حاول البعض الآخر كشف النقاب عن الحقيقة عن طريق النبش في التاريخ، لكن المحاولة باءت بالفشل لقلة الدراسات المنجزة في هذا السياق(حكاية الحرة)، الشيء الذي يجعل من الاعتراف بالهوية الزنجية وتبني خصائصها في الحياة اليومية مسألة صعبة المنال. وعلى سبيل الختام، تجدر الإشارة إلى أن رواية "ذاكرة النرجس" تشكل منعطفا هاما في سيرورة الرواية العربية عموما، والرواية المغربية على وجه الخصوص، حيث إنها صاغت الزنوجة في تركيبة إبداعية مكنت القارئ، في غير شك ودون ارتياب، من مقارعة موضوع له أهميته الثقافية الراهنة والمؤسسة للأدب والثقافة الإفريقيين. هشام حاكمي طالب باحث