شهدت قاعة الاجتماعات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة القاضي عياض بمراكش صبيحة يوم الثلاثاء 11 يوليوز 2017 مناقشة أطروحة جامعية بعنوان "علم جمال المضمون: من جمالية المعنى إلى جمالية اللامعنى (الدهر المنشد متنا تطبيقيا)" تقدم بها الأستاذ الباحث مولاي أحمد قدماوي، وقد تشكلت لجنة المناقشة من السادة الأساتذة: الأستاذ الدكتور عبد الحميد زاهيد رئيسا (كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش) الأستاذ الدكتور عبد العالي مجدوب مشرفا ومقررا (كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش) الأستاذ الدكتور على المتقي عضوا (كلية اللغة العربية بمراكش) الأستاذ الدكتور عبد العظيم صغيري عضوا (مؤسسة دار الحديث الحسنية بالرباط) افتتحت الجلسة بتقرير تقدم به الطالب الباحث أمام لجنة المناقشة، استهله بالشكر والثناء على أستاذه المشرف وباقي أعضاء اللجنة، لينتقل إلى بسط إشكالية الموضوع والحديث عن السؤال المركزي الذي يسعى بحثه إلى اقتراح إجابة عنه، والمتعلق بالدور الذي يلعبه المعنى في صناعة جمالية الأدب عامة وشعر الحكمة على وجه التحديد، وأن رسالة الأدب ووظيفته رافدان جوهريان من روافد جماليته، مستندا في دراسته إلى ما قرره علماء الجمال بشقيه الفلسفي والأدبي، ونقاد الأدب عربا وغريبين، قدامى ومحدثين. وقد أشار إلى أن بحثه كان مُلْزَماً بالنظر في مكوني الأدب معا؛ الشكل والمضمون من منظور علم الجمال، وحينما يضطر إلى الفصل بينهما، فلا يكون هذا الفصل إلا إجرائيا ومنهجيا فقط، تَقْتَضِيهِ طبيعة البحثِ، فيميزُ بذلك بين علم جمال الشكلِ، وعلم جمال المضمون، لِيَسْهُلَ تناولُ كلِّ واحد منها ودراستُه دراسةً مستقلةً وموضوعية. وبناء على هذه المقدمات أعلن الطالب الباحث أنه أولى علم جمال المضمون عناية خاصة، واختارت لأطروحته عنوان: علم جمال المضمون: من جمالية المعنى إلى جمالية اللامعنى (الدهر المنشد متنا تطبيقيا) وبين أن هذا العنوانُ يكشف الخطوطَ العريضةَ التي تؤطر مجالَ اشتغالِ هذه الدراسة، بما هي بحث في جمالية المعنى، إذ لا يتصور، حسب رأيه، أدب يمكن أن يتصف بالجمال وهو لا يحمل أي معنى، ولا يوصل للمتلقي أية رسالة، سواء أكانت تعليمية أم أخلاقية أم سياسية أم إديولوجية أم غير ذلك، ومِنْ ثَمَّ أعلنت هذه الدراسَة اختلافها التامَّ مع دعاةِ الجمالية الشكلية الخالصة، وأنصارِ الفن للفن، وغيرِهِم ممن لا يرون في المضمون الذي تحمله الأعمال الأدبية أي بعد جمالي، ويتبنون فكرة مفادها أن الأدب الخالي من المعنى ينطوي على جمالية وشاعرية، فافتعلوا بذلك مقولة "جمالية اللامعنى"، وأن غياب المعنى هو المعنى في حد ذاته، وقد روَّج لهذه المقولة ثلة من الحداثيين، عربا وغربيين، حينما ادعوا بأن جمالية الشعر الحداثي نابعة من كونه لا ينقل فكرة، ولا يعبر عن موقف، وجماليته في غموضه، وشاعريته في فراغه من المعنى، وقد انساق خلف هذه الشعارات الكثيرُ من الأدباءِ والنقاد معتقدين إمكانية أن يُنتجَ المبدعُ أدبا خاليا من المعنى، ويلقى استحسانا من القارئ، وقد سعى كثيرون ممن تبنوا هذا الاختيار إلى تبريره به عبر حشد مجموعة من الحجج والمبررات؛ فتارة يتحدثون عن تعدد المعاني في العمل الأدبي الواحد، وتارة يبالغون في الدعوة إلى حيادية الفنِّ وعدم نفعيته، وأنه لا ينبغي أن ينقل أي فكر أو إديولوجيا، ولا غاية له سوى الغاية الفنية، وتارة يتحدثون عن ضرورة بلوغ الفن مرتبة التجريد، ونزوعِه نحو السريالية فيصير بلا موضوعٍ ينقله، ولا حدودٍ تحده، ولا ضوابطَ تؤطره، وكل ذلك لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون مبررا لإلغاء مكانة المعنى وجماليته في الأعمال الأدبية، وادعاء أن اللامعنى قد يصير هو المعنى، إذ كيف يكمن أن يكون الشي ونقيضه شيئا واحدا؟ وقد جاء العنوان الفرعي لهذه الأطروحة للتنصيص على المتن التطبيقي الذي اتخذه الباحث مولاي أحمد قدماوي نموذجا للكشف عن جمالية المعنى في شعر حكيم الشعراء أبي الطيب المتنبي، وهذا المتن هو اختيارات لأدونيس من شعر المتنبي، بعنوان "الدهر المنشد" وهو العدد الأول من سلسلة كتاب في جريدة الصادر سنة 1997م، مبينا أن هذا الاختيار ينهض على مفارقة لا تخلو من طرافة وجدة خصوصا وأن أدونيس يعتبر أحد أبرز وجوه الحداثة العربية الذين يتبنون مقولة "جمالية اللامعنى"، وقد لعبت هذه الاختيارات دورا هاما في معرفة كيفية تعامل أدونيس مع شعر المتنبي، والمعايير التي اعتمدها في هذه المختارات، علما بأن مشروعه الشعري يقوم على أساس جمالية الشكل، بينما شعر المتنبي تنهض جماليته، في جزء كبير منها، على جمالية المضمون. وقد انتقل الباحث عقب ذلك إلى الحديث عن منهجيته في العمل حيث قسم الأطروحة، التي تقع في 459 صفحة، إلى مقدمة ومدخل وثلاثة أبواب وخاتمة، فذكر أنه تطرق في المقدمة إلى أهمية موضوع البحث، وخطته، ومنهجه، وأهدافه، وأردفها بمدخل اختار له عنوان: من الجمال إلى علم الجمال: سؤال النشأة والتطور، وقسمه إلى جزأين: الأول بعنوان: الجمال: مفهومه، وتطوره عبر العصور، والثاني بعنوان: علم الجمال بين التصورين الغربي والعربي، أما أبواب البحث وفصوله فقد جاءت وفق الترتيب التالي: الباب الأول: علم جمال المضمون عند فلاسفة الفن وعلماء الجمال الفصل الأول: سلطان المضمون على الحكم الجمالي الفصل الثاني: سلطان الشكل على الحكم الجمالي الفصل الثالث: تساوي سلطان المضمون وسلطان الشكل عند إصدار الحكم الجمالي الباب الثاني: علم جمال المضمون عند النقاد العرب قديما وحديثا الفصل الأول: المعنى الشعري ومركزيته في المتعة الجمالية لدى النقاد العرب القدامى الفصل الثاني: معايير نقد المعاني في النقد العربي القديم ودورها في كشف جوانب المتعة الجمالية الفصل الثالث: جمالية المضمون الشعري بين هيمنة الوضوح عند القدماء وهيمنة الغموض عند الحداثيين الباب الثالث: جمالية المضمون في شعر المتنبي من خلال مختارات أدونيس في الدهر المنشد الفصل الأول: الدهر المنشد: دراسة وصفية وتوثيقية مقارنة الفصل الثاني: مكمن الجمالية في مختارات أدونيس من شعر المتنبي
وختم الباحث دراسته بخاتمة ضمنتها ما تجمع لديه على امتداد أبواب البحث وفصوله من خلاصات واستنتاجات موجزة ومركزة، ثم ذيلها بلائحة المصادر والمراجع المعتمدة. بعد ذلك انتقلت الكلمة إلى لجنة المناقشة حيث بدأت مداخلات أعضاء اللجنة بتقرير للأستاذ المشرف، أعقبته مداخلات الأساتذة المناقشين: الدكتور علي المتقي، والدكتور عبد العظيم صغيري، والدكتور عبد الحميد زاهيد، وفق هذا الترتيب، فقدموا للطالب الباحث مجموعة من الملاحظات والتوجيهات والتصويبات والمقترحات، كما أشادوا بهذا العمل وبصاحبه وبالإشراف المتميز للدكتور عبد العالي مجدوب، الذي رافق الطالب الباحث قرابة سبع سنوات، هي مدة إنجاز هذا البحث وفحصه ومناقشته. وبعد منح الطالب الباحث فرصة لتقديم كلمته الختامية، رفعت الجلسة للتداول، واختلت اللجنة العلمية لتعلن عقب ذلك قرارها منح الأستاذ الباحث مولاي أحمد قدماوي شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا، مع تنويه أعضاء اللجنة بهذه الأطروحة، وتوصيتهم بطبعها. رضوان الرمتي مراكش