بقلم الشيخ عبد الغني العمري الحسني . خاتمة إنّ تناول المبادئ المؤسِّسة للدولة المغربية، ليس أمرا يمكن أن يختزله كتاب؛ وإن كنا نرى أننا قد ساءلنا أهمها (المبادئ)، وأرجعناها إلى أصولها، التي قد تغيب عن كثيرين، بسبب شيوع الدوغمائية التي تطبع المرحلة الزمنية التي نعيش. ولقد حرصنا في مساءلاتنا، على أن نكون على الحياد التام، بين مختلف أطراف المعادلة السياسية المغربية، حتى نضمن موافقة الحق، على قدر ما نستطيع. نحن نعلم أن الأفرقاء السياسيين، سينظرون إلى كلامنا انطلاقا مما هم عليه؛ وهذا لا يمكّنهم دائما من تبيّن مرادنا على وجهه. ونحن نعلم أيضا، أن التخلف الذي نعاني منه، لا يُمكّن من النظر إلى الأمور بموضوعية، تساعد على استخلاص العبر، بطريقة علمية بعيدة عن مختلف العصبيات. ولكن مع هذا وذاك، فإننا نراهن على إدراك الشعب، لما تناولناه، على ضوء المستجدات العالمية والإقليمية، إدراكا يكون أرضية للانطلاق نحو التغيير المنشود، ولو بعد حين. إن الدولة المغربية، لا يمكن أن تستمر في انتهاج طريق الارتجال، والعمل باعتماد الولاءات المشبوهة، داخليا وخارجيا؛ لأن ذلك يجعلها ضعيفة في نفسها، وغير قادرة بالتبع على المشاركة الفاعلة ضمن المجتمع الدولي، الذي لا يرحم الضعفاء. ورغم أن أصحاب القرار لدينا، لم يعتادوا استباق الأزمات بتغيير السياسات؛ إلا أننا نجدهم في هذه المرحلة مضطرين -لا مختارين- إلى النظر صوب ما نحن مقبلون عليه بجدية حقيقية. إن المغرب أمام فرصة أخيرة، لإصلاح ما يمكن إصلاحه، من أجل استئناف مسيرة التنمية؛ وإلا فإن الانهيار سيكون مدويا هذه المرة؛ وسيكون نهائيا، وغير قابل للمراجعة. وإن لم يكن سياسيونا قادرين على التعامل مع الأوضاع المختلة، التي صارت قاعدة في تاريخنا الحديث، فإن على الشعب أن يأخذ المبادرة، ليصحح المسار بما يستطيع؛ لكونه المعني الأول بما ستؤول إليه الأمور. ولقد حرصنا نحن عند تناولنا لمختلف الجوانب السياسية للدولة المغربية، أن نقدم بعض الحلول العملية، والبدائل الممكنة؛ حتى لا يكون تناولنا تنظيرا بعيدا عن الواقعية. ومع ذلك، فإننا لم نجعل الأمر جامدا، بحيث لا يقبل التعديل؛ أو ضيقا، بحيث لا يقبل التوسيع؛ لإيماننا بأن الشعب هو من عليه اختيار طرائقه، وترتيب أولوياته. وليست مقترحاتنا في هذا المضمار، إلا مُنطلقا افتراضيا، يمكن أن تبدأ منه الحوارات والمناقشات. نحن نعلم أن شعبنا لم يعتد العمل المنظم، ولا العمل "المسؤول"؛ ونعلم أنه قد ألف محل "المفعول به" في الجملة السياسية؛ حتى صار يرى انقلابه إلى "فاعل" ضربا من المحال؛ ومع هذا، فإننا وبإزاء وضعية غير مسبوقة المثيل، نراهن على استلام الشباب الواعي، لمقود التصحيح؛ قبل أن تحل الكارثة. لا شك أن للهيئات السياسية الموجودة الآن، وظيفة غير منكرة، ضمن ما ندعو إليه؛ لكن لا بد لها قبل ذلك، من مراجعات حقيقية للأسس التي تبني عليها طروحاتها؛ وإلا فإننا سنكون أمام مشهد عبثي، لا نرضاه لشعبنا. وإن العودة إلى الحق دائما، هي أفضل من التمادي في الباطل، وإن كان مألوفا. واعتبار المصلحة العامة، لا بد أن يعود لدينا معيارا سابقا على كل أنانية فردية أو شبه فردية. وبما أننا -نحن- لسنا سياسيين، ولا يمكن أن ننخرط في العمل السياسي المباشر، فإننا نجعل أنفسنا عونا للعاملين من كل المشارب والتوجهات، خدمة لشعبنا وبلادنا. نعين بالرأي وبالموقف، ونسدد بحسب ما نستطيع. ونحن نرى أنه قد آن الأوان للدخول في عمل سياسي شعبي جديد، يفوق في السعة ما عرفناه من أحزاب سابقا؛ يكون تيارا عاما، يستوعب كل من أراد الانخراط في التصدي للفساد، بجميع أنواعه. ولا بد من أجل هذا، أن نتعلم الترفع عن المآرب الشخصية العاجلة؛ لكونها مانعة عن تحقيق هذه الغاية، من غير شك. لن ندخل في الكلام عن تفاصيل ما يتعلق بهذا المطمح من شروط، ونتركه (الكلام) لمن ينذُر نفسه لتحقيق ما ذكرنا؛ لأننا لا نريد أن يكون التنظير غالبا على الجانب العملي، كما كان يحدث سابقا. وبما أن مجاوزة الاعتبارات الشخصية في العمل العام، ليست في مقدور كل أحد؛ وإنما هي مخصوصة بمن تزكى، وذكر اسم ربه فصلى؛ فنحن في هذا المجال، سنعين كل من أراد تخليص نفسه من سوئها، على مبتغاه، بتيسير السبيل إلى ذلك، بإذن الله. وهكذا، سيكون للعاملين على الإصلاح، مرجع يعودون إليه للتزود بما هو مطلوب من نور، لا يُستغنى عنه في مثل هذه الأمور البتة. إننا أمام تحديات كبرى، لم تعرف لها الأمة في سابق عهدها مثيلا. وإن مواجهتها بالمعتاد من طرائق المواجهة، لن يُبين إلا عن جهلنا بحقائق ما نتكلم فيه. وإن المناورة وتكرار التجربة، ما عادا ممكنين الآن؛ بسبب ضيق المجال عنهما، وبسبب سرعة وتيرة تلاحق الأحداث باستمرار. ولهذا، فنحن ندعو إلى الاستعانة بأهل الإبداع، وأصحاب المبادرة؛ ونحن على يقين من أن بلادنا تزخر بالكثيرين منهم. ينقصهم، أن يُمكّنوا من العمل في بيئة سليمة، خالية من تنغيص الجاهلين، وأصحاب الرؤى القاصرة. نحن لا نشك أن كثيرا مما كتبناه، معلوم سابقا لكثيرين؛ والعبرة ليست بالكلام في النهاية، وإنما بما يُمكن أن يُترجم منه إلى إنجاز. فلهذا، نحن ننتظر أن نرى بعضا مما دللنا عليه، يتحول على أيدي الصالحين من أبنائنا، إلى واقع؛ لعلنا نراه بعد ذلك يتوسع في بلداننا العربية كلها، ليكون يوما جديدا من أيام أمتنا المجيدة. واللهَ نسأل، أن يوفق المغرب، ملكا وشعبا، لما فيه الخير والفلاح؛ وأن يجنبنا الزلل والضلال، ويقينا شرور أنفسنا وشرور الخلق من حولنا. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه. والحمد لله رب العالمين. كُتب هذا المقال بعد مضي أكثر من شهرين من السنة الثالثة من الاعتصام المفتوح للشيخ وأسرته، بسبب اضطهاد الحكومة وأجهزتها الذي ما زال مستمرا إلى الآن.