تنتظر الساحة الثقافية الفرنسية بشغف هذه الأيام صدور رواية حدث.. لأن كاتبها ليس سوى الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان ( الرئيس ذاته الذي تغنت به تلك الأغنية الشهيرة للفنان العربي «الشيخ إمام»، التي يدندن فيها بصوته الأجش، قائلا: « فاليري جيسكار ديستان، والست بتاعو كمان/ حا يجيب الديب من ديلو، ويشبع كل جيعان »!! ). ولعل المثير في هذه الرواية، ليس فقط أن كاتبها كان رئيسا لدولة الثورة السياسية في أروبا نهاية القرن 18، بل أن موضوعها فيه امرأة وحب وعشق وَلْهَانْ ( أي « سِتْ » أخرى لو بقينا في قاموس أغنية الشيخ إمام ). وتتصاعد الإثارة أكثر، حين نعلم أن المحبوبة ليست سوى الأميرة البريطانية الراحلة ديانا(!!). نعم، فحتى رئيس فرنسا يحب، ويعرف أن يكتب بلغة شفيفة مولييرية، عن الحب والعشق والهوى. ويعرف أن يرسم خريطة للقاءات سرية، وللغة الأصابع تحت موائد الطعام الملكية والرئاسية. وأن يصف بفنية أدبية واضحة، لغة العيون الزرق، تلك التي تذوب لها كل برتوكولات العالم، من أجل سرقة لحظة فرح بالجسد الأميري البض. لقد ذابت كل سنوات الحيطة الكلاسيكية بين قصر فيرساي الباريسي وقصر برمنغهام اللندني، وأصبحت معها حرب المائة سنة بين القصرين مجرد تفصيل في التاريخ، وأن ما تبقى في عقد الثمانينات من القرن العشرين ( زمن الرواية )، هو الحب الملتهب بين الرئيس والأميرة.. أو بصيغة أدق، إذا ما امتثلنا لعنوان الرواية: « الأميرة والرئيس »، التي ينتظر أن تصدر خلال أسابيع عن منشورات « بيرنار دوفالوا » الباريسية. ولأن الرئيس، له ما يكفي من الديبلوماسية ليفرق بين الواقع والخيال، أي بين الحادث الواقعي، والواقعة الأدبية، فإنه عرف بفنية، كيف يبني شخوص روايته بحيث يكون البطل رئيسا لفرنسا إسمه « جاك - هنري »، والأميرة البريطانية إسمها « باتريسيا »، وأن يكون اللقاء الأول بينهما الذي اشتعلت فيه نار القبلات، هو قصر كيسنغتون. بل وأن يتم تهريب عشقهما بعيدا عن الأعين الفضولية ( وعن أعين المخابرات في البلدين ) إلى فيلا أميرة سويدية، هي شقيقة ملك السويد. إن المثير في رواية « الأميرة والرئيس » ( كما يورد ذلك الملخص الإشهاري الذي عممته دار النشر التي ستصدر عنها )، هي أنها تميط اللثام، عن جانب خفي من شخصية الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان، هو امتلاكه أيضا قوة حرارة عواطف لم يكن يسمح تكوينه الأرستقراطي بظهورها أمام الملأ. لأن ذلك قد يشوش على صورته المتوهمة التي كان يحرص على بناءها أمام العالمين، فالرجل رجل بروتوكول في المقام الأول. ولعله من المفيد هنا التذكير بما سبق وترجمته ضمن أعداد سابقة لجريدتنا، من مذكرات صاحب مطعم « عند إدغار » الباريسي الشهير، التونسي الأصل، اليهودي الديانة، « بول بنموسى »، الذي كان قد خصص فصلا خاصا للرئىس جيسكار ديستان، من باب رسم صورة متكاملة عن الرجل. ومما قاله فيه: « الشئ الوحيد الذي ظل يثيرني في [ جيسكار ]، أنه كان يحرص أن يقدم له الأكل هو أولا قبل الآخرين، حتى وهو لم يعد رئيسا للجمهورية، وحتى لو كانت على مائدته سيدة مثل سيمون فيل أو سيدة مثل سونيي سييتي. لقد خلق لي ذلك دوما مشكلا على مستوى قواعد الإتيك، لكن ما علينا. [ قواعد الإتيك، تقتضي أن يقدم الأكل أولا للنساء قبل الرجال - م - ]. في ما يرتبط بالنبيذ والخمر، فإنه كان يطلب دوما نبيذ « شاطو - غيسكور 82 »، وكان لابد من وضع نادل خاص وراءه، مهمته ملأ كأسه كلما فرغ. كان عاشقا للخمر البوردولي الرفيع [ نسبة إلى عاصمة الخمر الرفيع في العالم، مدينة بوردو الفرنسية - م - ]، وكان يعب منه كؤوسا محترمة في كل غداء. عكس جاك دولور أو بيير بيريغوفوا، لم يكن جيسكار يحضر قط بدون موعد. كان صديقاي الآخران دوما يقولان لي: « لم يتبقى لنا الوقت كي نتصل بك. هل تمة مائدة لنا؟ ». وكنا دائما نتدبر الأمر بسرعة. بالنسبة لجيسكار، هذا أمر غير وارد، فالبروتوكول هو البروتوكول. كان يطلب منا أن نقترح عليه العديد من الأطباق، وكنا نقدم له ستة أو سبعة أطباق منوعة، لكنه كان يختار - يا للعجب - نفس الوجبة دائما. كانت تتكون من بيض مخلوط في قطع لفت، ثم ربع لحم عجل مع بعض البقول الطري، ثم حلوى الشارلوت من الشوكولا، والكل يقدم مع كؤوس متوالية من نبيذ « شاطو - غيسكور ». ولأنني مستوعب للسيناوريو كله، فقد كنت أقدم دوما هذه الوجبة ضمن ست أو سبع وجبات أخرى، وكان هو، دوما، يؤشر بيده على هذه الوجبة بالتحديد. مع توالي الساعات، يصبح إنسانيا أكثر، متواضعا أكثر، يطلق كلمة مجاملة لهذا النادل أو تلك النادلة، مهتما بما يدور حوله من حديث في مطعمي. (...) ».