أخواتي إخواني: كانت أفكاري كلها معكم وكنت آمل أن أكون موجودا بالمغرب خلال الشهور الأخيرة لأساهم بحضوري إلى جانبكم مساهمة فعلية في معارك هذه المرحلة النضالية ولكنني كنت مضطرا لمغادرة المغرب حيث بقيت طيلة شهرين نزيل. إن لكل واحد منكم كفاءته في ميدان الكفاح، بما لكم من نضج ووعي ولقد أعطى الشعب المغربي درسا بليغا على نضجه وقدرته على تسيير شؤونه بنفسه كشعب خرج من الحجر والوصاية. وكان الدليل الملموس الذي قدمه الشعب الذي حرر نفسه بنفسه، وهو قدرته على التمييز بين الأصدقاء ومن يريدون له الشر، فاختار الشعب أثناء الانتخابات أصدقاءه وأكد أنه قادر على النضال لتحقيق الفوز في المعركة الدستورية وتثبيت سيادته. وكانت النتائج برهانا قاطعا على أن الشعب قادر على أن يدبر شؤونه بنفسه ولا يمضي يوم من غير أن يقدم الشعب الحجة على أنه يطلب الدستور الحقيقي لا الدستور المزيف. إننا نطلب من الذين يتحدثون إلى الشعب أن يلتزموا لهجة الصدق والصراحة. فقد اهتدينا، بعد مرور خمس سنوات على إعلان الاستقلال، أنه ليس هناك تحرر اقتصادي، ولا تحرر اجتماعي أو سياسي غلا إذا توفرت رقابة شعبية على الحاكمين. لقد قالوا بأن الشعب المغربي لا يعرف كيف ينتخب لأن الذين فازوا في الانتخابات ليست لهم شواهد جامعية أو مدرسية. إلا أن الذي يجب أن يعلمه هؤلاء حق العلم هو أن الكفاءات لا تتوفر فقط عند حاملي الشهادات، بل أن الإخلاص والعمل والتجارب هي شواهد حقيقية، وبالإخلاص والعمل توزن قيمة الرجال. إننا نجد أحيانا أفرادا أتيحت لهم الفرصة ليتابعوا دراساتهم ويحملون شهادات ونحن نقدرهم لأنهم عاملون، نقدر جهدهم وعملهم قبل أن نقدر شواهدهم. إننا نعمل من أجل أن توضع الثقة في الشعب وفي قدرة الجماهير على حسن الاختيار بما للجماهير من نزاهة فطرية وخير ووعي وإخلاص وفهم للحقائق. ليس من العار أن نعطي الشعب ثقته لبائع الفحم فالقيمة الحقيقية للشخص لا علاقة لها بكون الشخص بائع فحم والآخر وزير.. بل القيمة الحقيقية تقدر بما يؤديه الشخص من منافع وخير. إن الشعب عندما يختار العامل أو المحامي أو الطبيب، يعرف ماذا يفعل ويعرف كيف يضع ثقته الغالية، الثقة التي يبخل بها على العملاء والخصوم ويضع يده في يد المناضلين الفاعلين والأمناء. وليس من العار أن يوجد غدا بالبرلمان بائع الفحم... إذا كان بائع الفحم مادام النزاع في المغرب قائما بين الذين يثقون في الشعب والذين يحتقرونه والشعب الذي تواجه مع الاستعمار بالفعل وبالنضال، لن يقبل أن يبقى في بلاده الدخلاء والعملاء وهو شعب جدير بأن يتابع النضال من أجل الديمقراطية والعدالة... إن المغرب جزء من العالم المتخلف في إفريقيا وآسيا حيث الظروف تتشابه وشروط المعركة هي هي والخصم الحقيقي واحد هو الاستعمار الذي بعدما أجبر على الانسحاب، ترك عملاءه ليؤدوا رسالته الشريرة كما حدث في الكونغو ومالي حيث يريد الاستعمار الحفاظ على امتيازاته كما هو الشأن في المغرب. ولهذا يحاول الاستعمار أن يفرض نفسه علينا إما مباشرة أو بواسطة وكلاءه.. ومن هنا يجب أن ندرك أن الصراع مزدوج في المغرب: بين القوى الاستعمارية والقوى التقديمة. ولمواجهة هذه المهام يجب أن تكون لنا إرادة قوية في مهام بناء الاستقلال على أسس صحيحة، أي بناء دولة تتساوى فيها الفرص وسبل العيش والكرامة بين المواطنين.. وهذه الإرادة لن تقهر ولن تلين. إننا في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بما في اتحادنا من نساء ورجال وشباب، قوة غيابية لا تقبل أن يضيع وقتها في المشاحنات والمهاترات ونقول لمن يريد أن يزج بنا في معركة جانبية بين المغاربة بأننا سنعمل على تكريس كل جهدنا في الكفاح ضد الاستعمار وعملاء الاستعمار. هذه الروح ألمسها الآن عندكم في إقليمالرباط وهي روح لا تختلف عن باقي أنحاء المغرب مما يدل على فهم سليم لمشاكل البلاد وقضاياها وعلى إجماع المغاربة في مقاومة الاستعمار من أجل تصفية مخلفاته وبناء مجتمع مغربي يتمكن فيه كل المغاربة من الخبز والمدرسة والسكن. هذه مهام لن ننجزها إلا في إطار نظام ديمقراطي حقيقي وهذه هي مطالبنا التي تدل على أننا شعب يعرف ما يريد سواء كنا في المدن أو في البوادي... وهذه هي معركتنا إلى أن نحقق أهدافنا.