5. إعادة الثقة للفعل التشريعي والإداري والقضائي: اعتبر اليوسفي في هذا المحور أن توطيد علاقة المواطن بالجهاز التنفيذي مرتبطة برهان إنجاح إصلاحين متلازمين يتعلق الأول بتخليق تدبير الشأن العام، والثاني باستكمال الصرح الإداري الترابي. فبخصوص الإصلاح الأول، أخذت الحكومة على عاتقها التزام التأسيس لتدبير نزيه وشفاف للشأن العام بالبلاد من خلال وضع نصوص قانونية ذات الصلة (قانون الصفقات العمومية، تعديل الميثاق الجماعي، قانون الحريات العامة، قانون الصحافة، تعليل قرارات الإدارة،...)، وكذا القيام بالتحريات والتدقيقات والمتابعات التأديبية والقضائية التي طالت عددا من المرافق والمؤسسات العمومية بشكل لم يعرف له المغرب مثيلا (القرض الفلاحي، صندوق الضمان الاجتماعي، البنك الشعبي،...). إن هذه الخطوة شكلت إشارة سياسية قوية على تشبث الحكومة والجهاز التشريعي وعزمهما على مواجهة الحالة المتدنية التي تعيشها مرافق القطاع العام والحد لثقافة اللاعقاب، وإحلال ثقافة المساءلة والمحاسبة. كما بذلت الحكومة مجهودا جبارا لحمل الإدارات والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية على تنفيذ الأحكام الصادرة في حقها، درءا لإهدار حقوق المواطنين وصونا لحرمة القضاء وتكريسا لدولة القانون في مجال الأعمال. وفي نفس الاتجاه، تمت هيكلة القضاء التجاري لضمان حقوق الفاعلين في عالم التجارة والاقتصاد. أما الإصلاح الثاني والمتعلق باستكمال بناء الصرح الإداري الترابي، تم القيام بإصلاح شامل لنظام اللامركزية ببلادنا وتفعيل المفهوم الجديد للسلطة كاختيار استراتيجي لبعث الثقة بين الإدارة والمواطن وإبراز الرسالة التنموية التي تضطلع بها في المقام الأول، الإدارة الترابية بمختلف مكوناتها. 6. إعطاء أولوية للحوار الاجتماعي: ومن ضمن نتائجه نذكر تسوية ملف المطرودين أو الموقوفين لأسباب سياسية أو نقابية، والعمل على ترقية الموظفين والأعوان بكيفية استثنائية، وإحداث 4000 منصب شغل خصصت لترسيم الأعوان المؤقتين والمياومين العرضيين، ومراجعة النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية، وتعميم الاستفادة من نظام المعاشات على جميع المتقاعدين، اتخاذ إجراءات وإعفاءات جبائية لصالح الفئات المستضعفة لتمكينها من ولوج الخدمات الصحية والاجتماعية، اتخاذ إجراءات لصالح صغار الفلاحين لتخفيف مديونيتهم ولصالح المقاولين والمنعشين الشباب. كما قدمت الحكومة، كما تعهدت من خلال برنامجها، مشروعا بسن نظام بديل للأجور في الوظيفة العمومية وإقرار دعوة المجلس الأعلى للوظيفة العمومية للاجتماع لأول مرة في تاريخ الوظيفة العمومية لدراسة هذا المشروع. وبخصوص الترقية الاستثنائية، تمكن 106000 من الموظفين والأعوان من الاستفادة من هذا الإجراء الخاص الذي كلف وحده ميزانية الدولة والمؤسسات العمومية ما قدره 6.8 مليار درهم موزعة بين سنتي 2001 و 2002، فيما تمت مراجعة النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية الذي أتى نهائيا على نظام الحصيص المالي للترقية الداخلية وربطها بالاستحقاق والكفاءة، ونتج عن ذلك تحسين ملموس لأوضاعهم المادية. كما تم تعميم الاستفادة من نظام المعاشات لسنة 1997 على جميع المتقاعدين، وبذلك تكون الحكومة قد لبت مطالب طالما نادت بها شرائح واسعة من الموظفين والأعوان وحققت ما التزمت به في هذا الخصوص. 7. ارتقاء قضية المرأة إلى ورش وطني: وارتكز هذا الورش على تصور شامل ومندمج وواضح لمعالجة أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والقانونية. وتحول هذا الورش إلى حوار ونقاش وطني تميزت من خلاله المسؤوليات الملقاة على عاتق الجهاز التنفيذي في إدماج المرأة المغربية اقتصاديا واجتماعيا، ومسألة مراجعة مدونة الأحوال الشخصية التي تشكل مسؤولية خص بها دستور المملكة جلالة الملك بوصفه أمير المؤمنين. لقد شكلت هذه القضية مناسبة مكنت المغرب لأول مرة في تاريخه التنفيذي من تأسيس ثقافة جديدة في هذا المجال مرساة على مرجعيتنا الإسلامية السمحة، ومبنية على التوفيق بين الهوية والتحديث. كما تمكنت المرأة من تحقيق نسبة متنامية في مناصب اتخاذ القرار حيث توجت هذه المجهودات بتقنين حقها في ترشيح لوائح خاصة بالنساء في الانتخابات التشريعية 2002 . 8. توفير الظروف المثلى لمساهمة فاعلة للجالية المغربية في تنمية بلادهم: في هذا المجال كان عمل الحكومة متواصلا حيث تم توكيل لجنتين وزاريتين يرأسهما الوزير الأول، مختصتين على التوالي بإشكالية الهجرة وبالاستقبال والعبور. وقد نهجت الحكومة في التعامل مع قضايا ومصالح المهاجرين أسلوب التنسيق وروح الحوار بين مختلف المتدخلين. 9. إعطاء الانطلاقة لتأهيل قطاع التربية والتكوين: لقد اعتبر اليوسفي هذا القطاع من القطاعات الأساسية في سياسية الدولة لكونه فاتحة التقدم والنمو والاستقرار الاجتماعي والتكافؤ الحضاري وتحصين الذات من مختلف أنواع الاستلاب، وإعداد الشباب المغربي لربح رهانات القرن الواحد والعشرين. ولذلك بذلت مجهودات كبيرة لبلورة الميثاق الوطني للتربية والتكوين وإعطاء الانطلاقة لتجسيد مضامينه بالتركيز على ثلاثة محاور مركزية، أولها إلزامية التعليم وتعميمه، وثانيها ضمان جودة التعليم، وثالثها ملاءمة تعليمنا مع عالم الشغل. وفي هذا الصدد، اعتبر اليوسفي سنوات 2000/2009 عشرية وطنية للتربية والتكوين، وأكد على ضرورة إيلائها الأسبقية بعد الوحدة الترابية. 10. الإسهام في خلق شروط التعبير الثقافي الحر: بالرغم من أثقال الماضي وإكراهات الحاضر، تميز عمل الحكومة في إدارة الشأن الثقافي بوضع إستراتيجية متكاملة متلائمة مع تطلعات مغرب الألفية الثالثة، مبنية على الحوار والتشاور والشراكة مع الهيآت والفعاليات المهتمة بالثقافة. كما استحضرت الحكومة التطورات الوطنية وتأثيرات ومتطلبات التطورات الدولية (العولمة)، مع الحرص بالأساس، على تمكين البلاد من هياكل ثقافية حديثة، وصيانة التراث وتأهيله وتثمينه. لقد كان هم الحكومة الدائم هو خلق الظروف الملائمة المتيحة لتفجير الطاقات والإبداع والخلق لدى الفئات المنتجة. ومن أجل ذلك، عملت الحكومة على توسيع وتطوير البنيات الأساسية المساعدة على إنتاج ونشر وترويج المنتوج الثقافي وصيانته، وإنشاء عدد من المؤسسات الثقافية الكبرى، أبرزها المكتبة الوطنية للمملكة، والمتحف الملكي للتراث والحضارات، وتقديم الدعم للمسرح والكتاب والفنون المشهدية والجمعيات الثقافية الفاعلة،... كما أولت حكومة اليوسفي أهمية قصوى لقطاع تقنيات المواصلات والإعلام والبريد وللبحث العلمي والتواصل وتمكنت بهذه المجهودات من تقليص «الهوة الرقمية» وإدماج بلادنا في مجتمع الإعلام والمعرفة، كامتداد طبيعي لتحرير القطاع. 11. تأهيل الاقتصاد الوطني من خلال تقوية شروط الانطلاقة الاقتصادية: لقد عملت الحكومة كل ما بجهدها لإعادة الحياة للاقتصاد الوطني وتمكينه من خوض غمار المنافسة الدولية. لقد ركزت الحكومة على توفير الشروط الضرورية لتحقيق نمو اقتصادي مستقر ودائم يجسد إمكانيات البلاد، وضمان ثقة الفاعلين المحليين والدوليين من خلال السهر على تأمين تدبير سليم وشفاف للمالية العمومية وبالتالي الحفاظ على التوازنات العامة. وموازاة مع هذه المجهودات، اتخذت الحكومة الإجراءات اللازمة لتجاوز آثار الجفاف وارتفاع فاتورة الطاقة وكذا إنقاذ عدة مؤسسات عمومية التي كانت مهددة بالإفلاس جراء سوء التدبير الذي عرفته لعقود مضت. كما تمكنت حكومة التناوب التوافقي من التحكم في التضخم من أجل الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين وكذا تطويق العجز في الميزانية والرفع من التوفير العمومي وما لذلك من تأثيرات ايجابية على ظروف تمويل الاستثمارات. كما تمكنت الدولة خلال ولاية هذه الحكومة، ولأول مرة منذ الاستقلال، من تقليص المديونية الخارجية من 19.1 مليار دولار إلى 14.1 مليار دولار إضافة إلى تسجيل فائض مهم في ميزان الأداءات لأول مرة مما مكن البلاد من تحقيق ارتفاعا قياسيا في رصيدها من العملة الصعبة. ومن أجل مواجهة التعقيدات والعراقيل أمام الاستثمارات، خلق اليوسفي، تحت إشرافه المباشر، لجنة وزارية للاستثمارات والتي حققت نتائج جد مشرفة تجسدت في ارتفاع حجم الاستثمارات إلى 25 مليار درهم ومناصب الشغل القارة المحدثة إلى 32000، ناهيك عن المصادقة على 63 اتفاقية استثمار بمبلغ إجمالي تجاوز 45 مليار درهم. وبصفة عامة، تمكنت الحكومة من الرفع من مستوى الاستثمار ب 25 بالمائة خلال فترة 19982002 مقارنة مع فترة 19931998. وبخصوص الاستثمارات الخارجية، ما تم استقطابه خلال 4 سنوات لم يتم تجميعه خلال العشرين سنة الماضية. وفي مجال السياحة، تم تسطير إستراتيجية وطنية لاستقبال عشرة ملايين سائح أجنبي في أفق 2010 وإعطاء الانطلاقة لتفعيلها. وفي قطاع الصيد البحري، شدت الحكومة العزم لإدخال تغييرات جوهرية على طرق استغلال الثروات البحرية بمنظور يضمن تقوية النسيج الاقتصادي الوطني وضمان الأمن الغذائي بالبلاد. ومن أجل ذلك، وبعد تعذر التوصل إلى صيغة جديدة للتعاون على أساس الأرضية التي اقترحها المغرب تم فك الارتباط مع الإتحاد الأوربي مع القيام بمراجعة التشريع الوطني للصيد البحري وإعادة هيكلة كافة مسالكه في إطار إستراتيجية واضحة المعالم تهدف إلى ضمان الحفاظ المستمر للموارد السمكية الوطنية ومردودية مستديمة لهذا الميدان الحيوي. ونظرا لأهمية قطاع الصناعة التقليدية والمهن المرتبطة به (يشغل 20 بالمائة من ساكنتنا النشيطة)، باشرت الحكومة مسلسلا للتأهيل الشامل لهذا القطاع من خلال ميثاق وطني للصناعة التقليدية (الكتاب الأبيض). ومن أجل تنشيط قطاع الإسكان وتشجيع المنعشين العقاريين، قامت الحكومة بمواجهة صارمة للسكن غير اللائق وتعزيز الإطار القانوني في هذا المجال خصوصا في مجالات العلاقات الكرائية، والرهون العقارية والملكية المشتركة. و لتسهيل إدماج الشباب في سوق الشغل، تم تفعيل القانون المتعلق بتداريب التكوين وإدماج الشباب حاملي الشهادات، والتكوين التأهيلي، وقروض المقاولين والمنعشين الشباب، والتشغيل الذاتي، والاتفاقيات القطاعية المبرمة مع المؤسسات العمومية، وبرامج مشاتل المقاولات، بالإضافة إلى الإطار التحفيزي الذي تم وضعه لفائدة المستثمرين الخواص، وكذا ميثاق المقاولات الصغرى والمتوسطة الذي جاء ليسد فراغا قانونيا طالما اعترى نشاط هذه الشريحة الواسعة من المقاولين ذات الوزن الهام داخل نسيجنا الاقتصادي.