وضع برنامج جماعي ليس مسألة طارئة أو جزئية بل هي حلقة من حلقات سلسلة لا تنقطع، يرتبط فيها الحاضر بالماضي و المستقبل و الحزبي بالوطني و الفردي بالجماعي و العملي بالنظري. لذا فإننا في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بعد تقييمنا لمسار التجربة الجماعية بالمدينة منذ انطلاقتها سنة 1976 نستطيع أن نحدد مجالات نجاح التجربة و مجالات فشلها. إن انتماءنا لمدينة فاس و لتراثها الروحي و العلمي و النضالي يحتم علينا أن نقر أولا بأننا بقدر ما نجحنا في الكثير من مجالات ممارستنا الجماعية بقدر ما كان الإخفاق و الفشل مصاحبا للكثير من المواقف التي اتخذناها و المحطات التي مررنا بها طيلة التجربة الجماعية. كما أن هذا الفشل كان جماعيا بقدر ما كان حزبيا . لكن وبكل تأكيد كان كذلك فشلا فرديا لنا جميعا كمناضلين في صفوف حزب و طني ديمقراطي تقدمي. على هذا المستوى نعلن اعتذارنا الرسمي و العلني لجماهير مدينتنا سواء تلك التي كانت تمنحنا أصواتها بكل ثقة وأمل أو تلك التي كانت تخالفنا الرأي لكنها كانت دائما تحترمنا و تقدر مجهوداتنا و كذلك كانت تعتب علينا إما في صمت أو في العلن على ما كنا نأتي عليه من أخطاء و فشل. إلا أن الاعتذار مهما كان شكله وحجمه فإنه سيبقى مجرد كلام لن ينفع المدينة قليلا أو كثيرا للخروج من مآزقها إن هو لم يتحول إلى برامج ملموسة وممارسات جديدة و فرق عمل فاعلة و نشطة. لا يتعلق الأمر بتمرين إنشائي أو تغليف أيدلوجي، بل إنه نظر إلى الواقع و تحولاته ،نظر إلى الحاضر و المستقبل نظر قوامه الأمل و الاعتماد على الطاقات الخلاقة و المبدعة التي تختزنها القوات الشعبية بهذه المدينة المناضلة. ينطلق برنامجا لهذه المرحلة من قناعة راسخة بأن الرؤية السليمة و الصائبة و التعبئة الشاملة و الدائمة لكل القوى الفاعلة قادرة على انتشال مدينة فاس من ثقل الحاضر و أغلال الماضي المتجسدة في رؤى و برامج و أشخاص أصبحوا عبئا عليها و على الذاكرة المشتركة لكل المغاربة و خصوصا عبئا خطيرا على المستقبل. ندرك كمناضلين تقدميين كما يدرك كل المواطنين أن مشاكل المدينة كثيرة و معقدة،و أن معالجتها تتطلب جهودا جبارة و متواصلة.كما ندرك أنه ليس بالإمكان مواجهتها دفعة واحدة.لذا قررنا في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن نتقدم لساكنة مدينة فاس و لقواها الحية بمختلف مجالات نشاطها الاشتغال الجماعي على خمس محاور رئيسية بإمكان معالجتها فتح الطريق أمام معالجة ناجحة لباقي المشاكل. محاور خمسة نطرحها على جماهير مدينة فاس بقناعة المناضلين الاشتراكيين الديمقراطيين. و هذه المحاور هي : - التدبير الجماعي - المسألة التعليمية - المسالة الأمنية - المسألة الاقتصادية - المسألة الثقافية I - التدبير الجماعي لقد مر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بمختلف الأوضاع داخل التجربة الجماعية بمدينة فاس.لقد انتقلنا من مواقع المعارضة في التجربة الأولى 1976 إلى مواقع الأغلبية الساحقة سنة 1983 ثم إلى مواقع التحالف 1992 لننتهي إلى مواقع المعارضة الغير فاعلة في التجربة المنتهية الآن. فإذا كنا قد أفلحنا قليلا أو كثيرا في هذا الموقع أو ذاك و إذا كنا قد فشلنا في هذه التجربة أو تلك فإن من أهم أوجه الفشل في كل هذه التجربة هو عدم التجديد على مستوى النظرة إلى مسألة التدبير الجماعي.ليس لأننا لم نجدد على مستوى آليات التدبير الإداري بل لعدم تفكيرنا جديا وفق مبادئنا في تغيير النظرة إلى التدبير الجماعي بوصفه عنصرا مركزيا في بناء الديمقراطية المحلية. لقد آن الأوان كي ندخل مرحلة تدبير جماعي جديد قوامه العلنية و الشفافية و الاستشراف و العقلنة و التشارك.إننا كحزب تقدمي نلتزم بجعل التنظيمات المدنية شريكا حقيقيا سواء لجهة اقتراح الحلول أو لجهة الإنجاز أو لجهة المراقبة و التقييم. كما نلتزم بتوظيف كل الطاقات البشرية المحلية لتطوير الممارسة الجماعية و الديمقراطية المحلية. إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حزب نابع من صلب المجتمع لذا فأننا على أثم الثقة من أن ساكنة المدينة ستمنحه من جديد التفافها و دعمها. إننا نلتزم بأن يكون الحزب أكثر من أي وقت مضى أداة لتفعيل المشاركة و المراقبة المواطنة على التدبير الجماعي و المستشارين الجماعيين. II - المسألة التعليمية نظرا لخطورة الأوضاع التي أصبح عليها التعليم ببلادنا عموما و بمدينة فاس على الخصوص و على مختلف مستوياته من مستوى الروض إلى مستوى البحث العلمي فإننا بحكم قناعتنا بأهمية المعرفة و العلم نقترح على ساكنة المدينة أن نجعل من التعليم قضية مصيرية و جماعية إنها أولوية الأولويات في مطلع قرن جديد قوامه الثروة و الثورة المعرفية و العلمية. فلا مكان في عالم اليوم لأي تجمع بشري سواء كان هذا التجمع دولة أو جهة أو مدينة لا يساهم في الإنتاج المعرفي و العلمي. إننا كحزب تقدمي نؤمن بالمستقبل و بالتطور سنعمل كفريق جماعي مع كافة تنظيمات المجتمع المدني و مختلف السلطات على حشد كل الإمكانيات البشرية و المالية و المادية كي نرقى بتعليمنا بهذه المدينة إلى مستويات الدول المتقدمة في هذا المجال. من الطبيعي أن يتطلب الأمر وقتا طويلا نسبيا لكن من الممكن جدا تحقيق الكثير من النتائج و قطع الكثير من المراحل على طريق إصلاح النظام التعليمي بالمدينة خلال الستة سنوات المقبلة. هكذا نقترح أن يعمل الفريق الحزبي بمجلس المدينة مع كل الأطراف وكل المتدخلين : آباء و أولياء التلاميذ ، جمعيات الأباء ، النقابات المهنية ، الباحثون الجامعيون ، نساء و رجال التعليم بكل فئاتهم ، أكاديمية التربية الوطنية و النيابات التابعة لها ، السلطات المحلية ، المصالح الخارجية ، المجتمع المدني. سنعمل كل ما في وسعنا من أجل : - جعل المدرسة و المعهد و الكلية فضاء حيا و منتجا و منفتحا على المجتمع. - جعل التلميذ و المتدرب و الطالب في صلب ومركز العملية التعليمية. - جعل رجال ونساء التعليم الأداة الرئيسية في هذه المعركة مما يقتضي إحلالهم المكانة المادية و الاعتبارية المرموقة بالمدينة و التي افتقدوا الكثير منها خلال العقود الأخيرة.هذا الهدف يفرض علينا تحديد جملة من التدابير و القرارات الفورية التي يجب الشروع في تطبيقها فور تسلم مهام تدبير الشأن المحلي. - ترشيد الموارد المالية المتوفرة و تعبئة موارد جديدة بمساهمة الجميع مع تقدير المجهود الجبار الذي تبدله الأسر المغربية من أجل تعليم أبنائها. III - المسألة الأمنية لم يسبق أن كانت المسألة الأمنية من ضمن أولويات الساسة المحليين.إلا أن مستويات العنف و الجريمة التي أصبحت تهدد استقرار و أمن المواطنين و المجتمع بشكل قوي تجعل لزاما على كل من يسعى لتحمل تدبير الشأن العام جعل المسألة الأمنية ضمن أولى الأولويات.و عليه فأننا كمناضلين اشتراكيين ديمقراطيين مطالبون بتجنيد و تعبئة قصوى لكل الإمكانات البشرية و المادية ، الرسمية و الشعبية ، السياسية و المدنية لتقليص مستويات العنف و الجريمة و العودة بها إلى المستويات العادية التي لا تهدد سلامة الأشخاص و المجتمع.هذا الاختيار يتطلب العمل المشترك بين الكثير من الفاعلين : رجال الأمن ، علماء الإجرام ، اختصاصين في علم النفس ، الباحثون الجامعيون بكل تخصصاتهم و على رأسها علم الاجتماع ، رجال القضاء من قضاة و محامين ، الإعلاميون بكل تخصصاتهم ، جمعيات الأحياء ، الجمعيات الحقوقية و بالطبع المنظومة المدرسية بكل مكوناتها. يجب أن نعمل جميعا مع كل هؤلاء لفهم الظاهرة و تحديد أساليب معالجتها للحد و تقليص العنف إلى أدنى مستوى بما يضمن استقرار و أمن المواطنين. IV - المسالة الاقتصادية تشكل المسألة الاقتصادية إحدى أهم المسائل المطروحة اليوم على مدينتنا و على الجميع.لقد بذل حزبنا و طنيا مجهودات كثيرة في هذا المجال فمنذ حكومة عبد الله إبراهيم في نهاية الخمسينات التي تحمل فيها القائد عبد الرحيم بوعبيد مسؤولية وزارة الاقتصاد أو حكومة التناوب بقيادة المناضل عبد الرحمان اليوسفي و التي تحمل فيها عضو المكتب السياسي الأخ فتح الله و لعلو مسؤولية وزارة المالية و الاقتصاد في ظرفية جد صعبة ، حقق حزبنا مستويات جد مشرفة من الأداء و الفعالية. إلا أن التطور العام سار الآن باتجاه جعل المدن و الجهات فاعلين اقتصاديين من الدرجة الأولى و عليه فإننا كفريق اشتراكي بمجلس مدينة فاس سنجعل على رأس أولوياتنا : - الانتقال بالجماعة إلى فاعل اقتصادي ريادي بالمدينة و ذلك بتوظيف كل الإمكانات و كل آليات العمل التي يوفرها القانون المغربي أو تلك التي يمكن أن نقترحها في كل سياسية جهوية متقدمة ينتظرها الجميع بفارغ الصبر. - اعتماد شراكة استراتيجية مع الغرف المهنية و نقابات أرباب الشغل و نقابات العمال. - وضع شراكة استراتيجية مع الجامعة و مؤسسات التكوين بالمدينة. يجب أن توفر الجامعة للمدينة كل ما تحتاجه من دراسات و بحوث عوض تخصيص مبالغ خيالية لمكاتب الدراسات الأجنبية.كما أنها مطالبة بتوفير الأطر الكفئة و المتشبعة بروح المواطنة وحب المدينة. - تقوية و تنويع الشراكات مع الدولة - خلق أجواء اجتماعية ملائمة قوامها الحوار المستمر و البناء بين مختلف الأطراف الاجتماعية - نهج سياسية حقيقية في مجال ربط العلاقة مع المدن الأجنبية تهدف لجدب رؤوس الأموال و فتح الأسواق للمنتوج المحلي. V - المسألة الثقافية المسألة الثقافية من أولويات المرحلة بالنسبة لكل ممارسة محلية تروم تدبير عقلاني للشأن المحلي.قد يعتقد البعض بأن في هذا الشعار الكثير من السذاجة و الحلم إن لم نقل الهلوسة.إلا أنه انطلاقا من قناعتنا المبنية على العقل و المعرفة نرى أن المستقبل هو لمن يستطيع إنتاج المعرفة و العلم و تطوير التكنولوجيا. هذه الأهداف هي بنت أجواء ثقافية مزدهرة و ليست نتيجة صدفة أو منحة من الخارج. فلا إمكانية مستقبلا لاستمرار كيانات لا تساهم في إنتاج المعرفة و العلم سواء تعلق الأمر بالدول أو الجهات أو المدن بل و حتى المؤسسات التعليمية نفسها. مدينة فاس تكاد تنفرد برأسمال رمزي لا يتوفر لغيرها من مدن العالم فاس وحدها تعرف عالميا بأنها عاصمة روحية وعلمية. لكن هذا الرأسمال الرمزي لن يستمر إلا إذا نحن عملنا بجد على إغنائه. فالإنتاج الرمزي أصبح في عالمنا المعاصر من أهم رؤوس الأموال الشديدة الندرة. فلا تعليم و لا أمن و لا اقتصاد و لا تدبير جماعي معقلن دون حياة ثقافية حية و مزدهرة. هذه هي توجهاتنا التي سنخوض بها غمار التنافس على نيل ثقة المواطنين بهذه المدينة. سنعمل على اغناء هذا البرنامج و تدقيقه خلال الحملة الانتخابية من خلال الطرق و القنوات المبتكرة لهذا الغرض. و بالطبع سنعمل على تحويله إلى برامج وقرارات جماعية ملزمة لنا قبل غيرنا. فعلى وعي المواطنين و قدرتهم على التمييز و وضع الثقة في من يستحقها المعوَل. موعدنا معكم كما كان عليه الأمر دائما في ميادين الفعل و العطاء.