وزير الخارجية الأمريكي يستقبل ناصر بوريطة بواشنطن    حزب القوة الشعبية البيروفي يؤكد دعمه للوحدة الترابية للمغرب    المغرب يولي أهمية قصوى للأمن الجوي (قيوح)    الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات تتوج في حفل توزيع جوائز AIM Congress 2025    أنشيلوتي : هدفنا التأهل ولا مجال للتراجع أمام أرسنال    أخبار الساحة    خطوة واحدة تفصل نهضة بركان عن نصف نهائي كأس الكاف    توقيف شخصين يشتبه تورطهما في حيازة وترويج المخدرات والأقراص المهلوسة بسلا    «طيف» لبصيرو «مائدة» العوادي يتألقان في جائزة الشيخ زايد للكتاب    في افتتاح الدورة 25 لفعاليات عيد الكتاب بتطوان: الدورة تحتفي بالأديب مالك بنونة أحد رواد القصيدة الزجلية والشعرية بتطوان    مجلس عمالة طنجة-أصيلة يصادق بالإجماع على سلسلة من الاتفاقيات التنموية خلال دورة استثنائية    وزارة مغربية تتعرض لهجوم سيبراني من جهة جزائرية.. وتساؤلات حول الأمن الرقمي    توقيع اتفاقية لتجهيز مقرات الأمن في طنجة وتطوان والحسيمة بقاعات رياضية وفضاءات اجتماعية جديدة    الشعب المغربي يخلد ذكرى الرحلتان التاريخيتان للمغفور له محمد الخامس لطنجة وتطوان يوم 9 أبريل    شهيد يدعم تقصي "استيراد المواشي"    المغرب يتصدر التحول الرقمي الإفريقي بإنشاء مركز إقليمي للذكاء الاصطناعي    الذهب يرتفع وسط الحرب التجارية العالمية وهبوط الدولار    بغلاف مالي قدره مليار درهم.. إطلاق البرنامج الوطني لدعم البحث التنموي والابتكار    شبكةCNBC : مايكروسوفت تفصل المهندسة المغربية ابتهال لرفضها التعاون مع إسرائيل    حادث يقتل 4 أشخاص قرب كلميمة    محاولة تهريب الحشيش تقود مغربيًا إلى السجن في سبتة    النيابة العامة تحقق في تهديدات شابة سبق أن شوهت وجه أخرى    من ضمنها المغرب.. أسواق قد تستفيد من الرسوم الأمريكية    الجزائر تخسر دول الساحل    لطيفة رأفت تعلن عن إصابتها بفيروس في العين    موازين يبدأ الكشف عن قائمة النجوم    آيت الطالب يقارب "السيادة الصحية"    دراسة: السكري أثناء الحمل يزيد خطر إصابة الأطفال بالتوحد واضطرابات عصبية    الدولار يتراجع وسط تزايد مخاوف الركود    المغرب عضوا بمكتب لجنة الديمقراطية وحقوق الإنسان للاتحاد البرلماني الدولي    عرض ماسة زرقاء نادرة قيمتها 20 مليون دولار في أبوظبي    بنجرير: الإطلاق الرسمي للبرنامج الوطني لدعم البحث التنموي والابتكار    تنديدا ب"حرب الإبادة" ورفضا للتطبيع.. "مجموعة العمل" تنظم مسيرة وطنية بالرباط    القناة الأولى تكشف عن موعد انطلاق الموسم الجديد من برنامج "لالة العروسة"    أزيد من 3000 مشاركة في سباق النصر النسوي لمديونة    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    تقليل الألم وزيادة الفعالية.. تقنية البلورات الدوائية تبشر بعصر جديد للعلاجات طويلة الأمد    إشادة واسعة بخالد آيت الطالب خلال الأيام الإفريقية وتكريمه تقديراً لإسهاماته في القطاع الصحي (صور)    الوداد بلا هوية .. و"الوينرز" تدق ناقوس الخطر    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    الجيش الملكي في اختبار صعب أمام بيراميدز    المغرب وتونس إلى مونديال قطر تحت 17 سنة ومصر في الملحق    دراسة: أدوية الاكتئاب تزيد مخاطر الوفاة بالنوبات القلبية    بونو: أتمنى عدم مواجهة الوداد في كأس العالم للأندية    برنامج الأغذية العالمي يحذر من أن خفض التمويل الأمريكي يهدد حياة الملايين    بنك المغرب يستهدف الشباب لتعزيز الكفاءات المالية في إطار للأسبوع الدولي للثقافة المالية    إيلون ماسك يرفض "رسوم ترامب"    "قمرة" يساند تطوير سينما قطر    ارتفاع ملحوظ في عدد الرحلات السياحية الداخلية بالصين خلال عطلة مهرجان تشينغمينغ    بين نور المعرفة وظلال الجهل    المغرب وجل الشعب غاضب / 1من5    ‬كيف ‬نفكر ‬في ‬مرحلة ‬ترامب ‬؟    هل يُقلق وضوح إدريس لشكر بعض «المحللين والإعلاميين»؟    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسر تتعايش مع محنة الإعاقة... عن «بيزّو» القرد البشري وأشياء أخرى في عمالة آسفي...
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 21 - 05 - 2009

في آسفي، وبحكم تواجد مكتب الجريدة تحديدا أمام ساحة محمد الخامس، حيث يوجد ما يسميه الآسفيون «خبزة المال العام» التي تقام حولها الأنشطة الرسمية وبالضبط قبالة البلدية والولاية، فإننا نعاين يوميا معاقين منتمين لجمعيات يتم تأثيث الفضاء ببعضهم في تناغم تام مع سياسة البهرجة والصراخ المجاني، حيث لايتم التعامل مع المعاق إلا بمنطق مناسباتي تغيب معه استراتيجية وطنية حقيقية تسعى إلى حل إنساني واجتماعي لفئة تقاسي.
الحالات المرصودة كثيرة والمشترك فيها هو الفقر... سعيدة تزوجت منذ زمان بحارا أحبته من أيام الطفولة، كان لقاؤها معه فرصة لاستعادة لحظات الهوى القديمة والممتدة في الحي الذي ولدا فيه. كان لابد لهذه العلاقة أن تثمر رأسا أو اثنين، لكن الأقدار أتتهما بثلاثة أبناء، ولدان وبنت... خرجوا إلى الوجود بإعاقة موحدة شلل نصفي أقعد الثلاثة مبكرا، الوالد بحار بسيط والأم تتعاطى لبعض «الغرز» في أثواب بسيطة يطلقون عليها صناعة تقليدية! جاهدوا جميعا من أجل الحصول على «مأذونية نقل صغير» (كريمة)، طلعوا وهبطوا بدون نتيجة، يتغير المسؤولون والطلب يراوح مكانها في أدراج العمالة.
«هل يجب أن يعرف الناس معنى أن يكون لديك ثلاثة أبناء لايحركون رجلا، لأقل مجهود يجب أن نساعدهم، لاأستطيع الخروج إلا لماما لقضاء مآرب خاصة بسرعة، والعودة إلى البيت/الجحر، بصعوبة تمكنا من الحصول على بعض العكاكيز والكراسي المتحركة، رغم انتمائنا لجمعيات معنية بموضوع إعاقة أبنائي». انتهى كلام المرأة المعذبة في الأرض.
هذه حالة حقيقية يعيشها العديد من مثل هذه الأسرة، وهي لاتتسول بإعاقتها أو تجعلها طريقا لاستفادة ريعية، بل تتعامل مع الأمر كقضاء وقدر وبروح تعاونية وتآزرية تجعل اليومي رغم صعوبته يمر بالضحك والسلوان والتجاوز.
أسرة أخرى رفضت ذكر اسمها في هذه الورقة الإعلامية، كان لها أب نشيط، تلقفه المرض في كهولته، أقعده عن العمل وألصق به كرسيا متحركا، أوصاه الطبيب المعالج بضرورة الابتعاد عن التدخين والخمر، لم «يسمع» النصيحة غرق في ذلك «البحر المعلوم». النتيجة... شلل تام، لم يعد يتحرك فيه إلا الرأس، أصبح كل من في المنزل يعاني، الأب يتبول في مكانه، يتبرز، يصيح في الليل، لاينام إلا قليلا، وتبدأ دورة المراقبة وتسكين آلامه، وتنظيفه، يعمل كل الأبناء -بدون استثناء- على التعاون فيما بينهم، وما صعب المأمورية أن الرجل شل لسانه ولم يعد يستطيع الحديث أو إفهام محيطه بما يريد، تأتآت، جمل مكسرة، تعقدت الوضعية، لم ينفع كرسي متحرك ولا ثابت، ولا المسكنات في احتواء هذه الإعاقة الدائمة والجديدة على عائلة كانت تعيش متحدة ضاحكة، ومنفتحة على الحياة.
صورة أخرى صادمة لكنها ساخرة، فالحياة عند الفقراء والمعدومين يكون لها حوار و«مذاق خاص»... هم يعرفون معنى الدرهم والريال و«الخبز وتاي»، لا أحد يمكن أن يتصور غرفة ومرحاضا مشتركا، وأوساخا وصداع السكارى وعربطتهم، وأبواب مهترئة تدفعها أول هبة ريح، فأحرى سقطة سكرانة.
هنا في المدينة القديمة بآسفي، يتحرك طفل صغير، أسود البشرة يطلق عليه أبناء المدينة لقب «بيزّو»، حكايته مع الإعاقة بدأت حوالي خمس سنوات على أكثر تقدير، كان بيزّو مرتبطا بهواية غريبة، يغافل أهله، أمه «الكوكاطة» في المرسى (يعني تجمع ما تيسر من السردين قرب المراكب عبر جود بعض البحارة والرياس) وأبوه العساس و«المسؤول» عن مرحاض عمومي، بيزّو وسط إخوته لايهمه شيء، ولا يحس بشيء، كان يغافل الجميع ويذهب إلى سكة الحديد حيث يمر قطار الفوسفاط، يحب أن يرمي بالحصى وسط العجلات الفولاذية للقطار. في هذه الحفلة الغريبة التي يعشقها بيزّو الصغير، سحبته مرة إحدى المقطورات لترميه نصفين، النصف السفلي لم يعد يملكه، ضاعت رجلاه وسط سكة الحديد. فعلوا معه المستحيل، أحضروا له كرسيا متحركا، يقوم بكرائه لأقرانه بالدقيقة والنصف ساعة، يجمع أمواله المتحصلة من هذا النشاط، وينسحب إلى الميناء، يتحرك مثل قرد بشري، لايأبه بالإعاقة، يحب الصيد في الجرف الأعور، هذا الفتى ظاهرة متحركة، يلزمه بورتريه خاص بيومياته.
الغريب أن الفقر والحاجة والإعاقة لم يقفا حاجزا أمام حياة طبيعية لهذه الأسرة تتعايش فيها مع المتناقضات، لا فطور جماعي ولا غداء، الكل يهيم بحثا عن الرزق اليومي الهارب.
هي إذن حالات بسيطة لأسر مغربية فاجأتها الإعاقة، وكان لابد أن تتعامل معها، وبالتأكيد هناك حالات متعددة، لكن الأهم في كل هذا، هو أن مسؤولينا خصوصا في آسفي لايعطون لهذه الفئة أي اهتمام، يتعاملون على أساس تسليعهم وتسويقهم في المناسبات الرسمية، ويدفعون زبناءهم من المحظيين للاهتمام بحاجيات هؤلاء، ولم لا تكوين ثروة باسم العمل الإنساني ومساعدة الفقراء و... و...
كثيرة هي الحالات التي تستحق «كريمة» أو امتياز آخر، لكن مسؤولي العمالة لهم تفكير خاص، وتصور ضيق مسيج بالفساد ومنح الامتيازات للمقربين وتسليم المأذونيات لمن هو قريب من السلطة أو يدفع أكثر. أما المحتاجون الحقيقيون، فليكتبوا مئات الكيلوات من المراسلات والتذكيرات، اشكي انت وعمك صبّاح، لمن تمنح رخص الطاكسيات والأكشاك؟ من يستفيد... هل ذوي الاحتياجات الخاصة أم أن الكلمة العليا لأصحاب العمالة الذين فاحت روائحهم حتى وصلت قرب أكبر طاجين في العالم الشاهد الوحيد على الأكل غير المستحق للمال العام.
اللهم لا حسد...!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.