ضمن الإصدارات المشتركة بين الدار العربية للعلوم ببيروت ومنشورات الاختلاف بالجزائر، صدر مؤخرا كتاب نقدي جديد للباحث المغربي شرف الدين ماجدولين، بعنوان: «حكايات صور: تأويلات نقدية» (180 صفحة، من الحجم المتوسط). هو مزيج بين أسلوب البورتريه والتحليل النقدي، يروي الكتاب في فصله الأول المعنون ب: «وجوه» حكاية روائيين وشعراء استوطنوا وجدان الكاتب، وجمعته بهم صلات التلقي والتعلم ثم الصداقة: «محمد برادة»، «عبد اللطيف اللعبـي»، «عبد القادر الشاوي»، «محمد شكري»، «أحمد المديني»،... وغيرهم ، عبر تأملات في وقائع ومفردات ومجازات، التبست بتلك الوجوه وأضحت علامة عليها. وفي الفصل الثاني من الكتاب يتوقف عند مدن ومعابر اعتملت بما اقتضى تدوين محمولها الصوري، وفي الفصل الثالث يستجمع تأويلات لنصوص سير وروايات وكاتالوغات وكتب نقدية تدور كلها في فلك الصور. هي إذن مباحث وتأويلات تؤول كلها إلى معنى ناظم، ورؤية موحدة، تتوخى حكاية تجربة، ورصد علاقة مع ذاكرة شخصية، تطمح إلى الخروج إلى حيز المشترك. يكتسي كتاب «حكايات صور»، من هذا المنطلق، بعدا نقديا وتخييليا في آن، حيث يسعى المؤلف خلاله إلى عرض محصلات القراءة كما يستهدف تصوير الصلات الذهنية والانسانية مع عوالم وشخوص وصور شديدة التباين، مما يجعل فصوله تتقدم إلى قارئها بوصفها سرديات، تستكشف تقاسيم الوجوه واللحظات والنصوص المختارة، وتعمل الفكر في أعطاف تجليها الصوري، وما يمليه هذا الثراء على الناظر من أسباب المتعة الذهنية. جاء في تقديم شرف الدين ماجدولين ل»حكايات صور»: « تَمثُـل الصور عادة في وصفها أثرا مستشريا، يرافق الذهن مددا طويلة، وقد يمتد العمر كله محفزا الخيال على نسج احتمالات المعنى. قد يكون مرجع الصور مرئيا؛ جسدا حيا، أو مجرد موقف. وقد يكون فكرة منبعثة من سديم التفاصيل. هذا إذا استبعدنا الرصيد الجمالي بتعبيراته المختلفة. والشيء الأكيد أن الصور تكتنـز بطول التأمل والتدبر وإعمال الفكر، وتحبل بطول العشرة. فللصور حياة موازية لحياة متلقيها، ولها حكايات جديرة بأن تروى. حين نحكي عن الصور، نشكلها من جديد، ننحتها لفظا بعد أن كانت جنينا ببطن الغيب، ونسعى، بمحبة، إلى إستجلاء قسماتها، والكشف عن مقومات الغواية فيها. وفي حمأة مسعانا الحكائي ذاك، نجد أنفسنا نشتغل بأدوات الناقد والمؤرخ والرسام والروائي...، لذا فغالبا ما نلتجئ إلى توصيف الصيغ التدوينة لعلاقاتنا برموز، وأدباء، ومدن، ومناسبات خاصة، وكتب أعجبتنا، بـ: «بورتريهات» أو «تمثيلات» أو «تأويلات» أو غير ذلك من التعابير، والحال أنها في المحصلة تتضمن كل تلك القيم، من حيث هي توق إلى حصار الالتباس البصري والمجرد، الذي توحي به الصور الشخصية والفضائية والأدبية المرصودة ،عبر ما يمكن أن نسميه بـ»التخييل النقدي». وجدير بالذكر أن الكتاب الحالي هو الرابع ضمن مؤلفات شرف الدين ماجدولين، بعد كتابيه «بيان شهرزاد»، (المركز الثقافي العربي، بيروت، 2001)، و»الصورة السردية في الرواية والقصة والسينما» (دار رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2006)، و»ترويض الحكاية: بصدد قراءة التراث السردي» (الدار العربية للعلوم ، بيروت، ومنشورات الاختلاف-الجزائر).