في إطار الجهود المبذولة الرامية إلى خلق بدائل طاقية تمكن المغرب من توفير الطاقة للمشاريع الكبرى التي تنجز حاليا، وذلك عبر تشجيع المبادرات العلمية والبحث في مجال الطاقات المتجددة، خصوصا منها الطاقة الحيوية، نظمت جمعية الطاقات المتجددة بالمنطقة الشرقية ADERO وشركة تزادرت TZADERT وجمعية اكوسدير للتنمية ACOSDER، بمساهمة خبراء مغاربة وأجانب في الطاقات المتجددة وجمعيات تنموية فاعلة وهيئات البحث العلمي والتكنولوجي ومؤسسات التنمية المحلية من مكاتب الاستثمار الجهوي وغرف التجارة والصناعة والخدمات ووكالات التنمية بجهات المملكة، الورش الوطني الأول حول الطاقة الحيوية بالمغرب احتضنته مدينتا وجدة والقنيطرة ... وفي هذا الإطار حاورت جريدة «الاتحاد الاشتراكي» الأستاذ زكرياء مدني رئيس جمعية تزادرت، رئيس اللجنة المنظمة للورش الوطني الأول حول الطاقة الحيوية بمدينة وجدة، وهو مهندس مالي في القطاع البنكي، قام باختراع آلة تقوم باستخراج عصير قصب السكر ببراءة مودعة ومحفوظة لدى المركز المغربي للملكية التجارية والصناعية، قام بعدة أسفار في إطار البحث العلمي آخرها كان إلى ساو باولو البرازيلية سنة 2007 حيث خضع لتكوين خاص داخل وحدات إنتاج مادة الإطانول من قصب السكر. < ما هو تعريفكم للطاقة الحيوية؟ > لتبسيط التعريف للقارئ، يمكن أن نعرف الطاقة أو الوقود الحيوي بأنه وقود غير أحفوري، منتج من مواد عضوية متجددة لا ينضب بعكس الوقود الاحفوري (النفط) الذي يتوقع الخبراء نضوبه حوالي سنة 2028 ، وإنتاجه يمكن أن يتحقق عبر طرق مختلفة أهمها: عبر الزيوت النباتية HVP، عبر الكحول ALCOOLS ، وعبر غازات مصدرها كتل حيوية نباتية أو حيوانية أو غيرها BIOGAZ . ** ما هي الأهداف التي دفعتكم إلى تنظيم ورش وطني حول الطاقة الحيوية بالمغرب؟ وما هي المحاور التي تم تداولها؟ *** كانت أهدافنا واضحة منذ البداية، وهي البحث ودراسة جميع الجوانب المتعلقة بالوقود الحيوي من الناحية الاستراتيجية، القانونية والعلمية سواء كانت سلبية أو إيجابية، وخصوصا الجوانب التي تهم المغرب (مؤهلات، أخطار...). وقد تم تداول ثلاثة محاور رئيسية، المحور الأول بحث في كل ما يرتبط بالزيوت النباتية HVP لإنتاج مادة «Biodiesel»، ونبتة «الجاطروفا» كان لها نصيب الأسد في الدراسة والبحث، أما المحور الثاني فقد بحث في إنتاج الكحول BIOETHANOL من مواد سكرية كقصب سكر، التمور... وقد كانت التجربة البرازيلية حاضرة في هذا المجال، كما تم البحث من خلال المحور الثالث في إنتاج الطاقة من غازات ناتجة عن الكتلة الحيوية BIOMASSE ... وغيرها كالطحالب، خصوصا وأن المغرب يتوفر على شريط بحري ممتد على طول 3500 كلم. كما كان من بين الأهداف تحقيق دراسة علمية حول إنتاج الطاقات المتجددة من خلال الطاقة الحيوية على وجه الخصوص، بحيث يسهل على المستثمر والمشرع المغربي اتخاذ قرارات صائبة... < ا هو تقييمكم لهذا الورش من حيث المشاركة والمداخلات، وهل تمكنتم من تحقيق الأهداف المذكورة؟ > كانت المداخلات مركزة وعلمية وجد موضوعية، بحيث تمكنت جميعها من الإجابة عن نسبة مهمة من الأسئلة العالقة، وكانت غنية من حيث المحتوى، خصوصا وأن معظمها كان يصب في خانة الإجابة عن كل ما يتعلق بالمغرب (الماء، العقار الفلاحي، البيئة...). أما من حيث المشاركة فقد كانت في المستوى الذي توقعناه، لأن الموضوع، كما تعلمون، جديد على الساحة العلمية بالمغرب، والأمر كان يهم بالدرجة الأولى الباحثين في شؤون الطاقة المتجددة والمختصين في هذا المجال، لذلك كان حضور تجارب دول كالبرازيل، مالي، النيجر، فرنسا، سويسرا والجزائر ..أمرا لافتا للنظر، وكذا حضور شركات كبرى متخصصة كان لها وقعها الإيجابي في النقاشات العلمية المطروحة. أما الجهات الرسمية فكانت حاضرة عبر مؤسسات خاصة بالبحث العلمي وأخرى في حقل التنمية والاستثمار... في تقديري، يمكن القول إن التجربة كانت ناجحة وحققت نسبة مهمة من أهدافها إن على المستوى التنظيمي أو على المستوى العلمي. < ما هي التوصيات التي خرجتم بها من الورش الوطني الأول حول الطاقة الحيوية بمدينة وجدة ؟ > من الناحية القانونية: أوصى المشاركون بخلق إطار قانوني للطاقة الحيوية، وذلك من أجل تشجيع الاستثمار في هذا المجال، وكذلك من أجل تقنين العمليات المترتبة عن هذا المشروع، خصوصا منها ما يتعلق بالعقار الفلاحي، بنوعية الأراضي المستعملة )هل تزاحم المواد الفلاحية الأساسية؟(، ترشيد استعمال المياه، المحافظة على البيئة...وغيرها، وفي هذا المجال لدينا مشروع قانون أولي حول الطاقة الحيوية بالمغرب سنقترحه على الجهات المعنية في الوقت المناسب. ومن الناحية العلمية تم التأكيد على ضرورة الشروع في تجارب نباتات طاقية، خصوصا «الجاطروفا»، التي أثبتت التجارب أنها أكثر تكيفا مع مناخ المغرب وتربته. أما من الناحية الاستراتيجية، فأكد المشاركون من جهة على ضرورة اتخاذ تعديلات في الاستراتيجية الفلاحية للمغرب (المغرب الأخضر) بحيث يسمح لهذه الأنواع من النباتات الطاقية، بأن تخصص لها أراض خاصة للغرس )توصية لوزارة الفلاحة(، ومن جهة ثانية خلق وحدات إنتاجية تجريبية خاصة لإنتاج الطاقة الحيوية من خلال هذه الأشجار الطاقية «PLATEFORME DES BIOCARBURANTS»، تسهر عليها وزارة الطاقة والمعادن لتعميق البحث العلمي ودراسة الجدوى الاقتصادية والتقنية قبل أن تعمم التجربة لخدمة التنمية المحلية في العالم القروي. < لماذا اخترتم هذا الوقت بالذات لطرح مسألة الطاقة الحيوية بالمغرب؟ > في الحقيقة لم يكن وراء اختيار التوقيت أية خلفية معينة، كل ما في الأمر أن الطاقات البديلة أصبحت الشغل الشاغل لدى العديد من الدول النامية المنتجة و غير المنتجة للنفط على حد سواء، خصوصا منها الإفريقية ( مالي، السنغال...) والأسيوية (الهند، ماليزيا...) واللاتينية (البرازيل والمكسيك) فكان ضروريا تبني هذه المبادرة للبحث في مستقبل الطاقة المتجددة في المغرب، فكلنا (باحثون، سياسيون، مجتمع مدني...) معنيون بهذا المجال. < هل تعتقدون بأن الوقت قد حان لينتج المغرب حاجياته من الطاقة بدل استيرادها من الخارج؟ > أظن أنه آن الأوان لنرفع درجة التأهب والبحث عن مصادر أخرى تؤمن لنا الأمن الطاقي ليكون بنفس الدرجة في ما يخص الأمن الغذائي، لأن المغرب بلد غير منتج للنفط وهو يستورد أزيد من 96 % من حاجياته الطاقية من الخارج، ويشهد مشاريع كبرى لا يمكن لها أن تستمر إذا لم توفر لها الطاقة اللازمة لذلك... حاليا هناك دول منتجة للنفط أو لديها مخزون إستراتيجي مهم من النفط والغاز الطبيعي، ومع ذلك تعمل بجد في مجال تطوير الطاقات المتجددة لما تقدمه هذه المصادر من فوائد بيئية واقتصادية...أعطي هنا مثالا آخر عن شركات نفط كبرى تحول حاليا مسار عملها نحو الطاقات المتجددة خصوصا منها الحيوية لأنها استشعرت الخطر. < هل هناك إرادة سياسية في هذا الصدد، وما هو ردكم على من يقول بأن إنتاج الطاقة الحيوية سيساهم في غلاء المواد الغذائية؟ > نعم، الإرادة السياسية موجودة للعمل في حقل المصادر المتجددة وفي الطاقة البديلة، فالمغرب يعمل في إنتاج الطاقة الشمسية والهوائية والمائية منذ أزيد من 15 سنة، رغم أن التجربة مازالت لم تكتمل ونتائجها محدودة حاليا، لكنها واعدة لا محالة، وبالنسبة للطاقة الحيوية فالأمر ليس بالهين كما يمكن أن نتصوره، فلابد من دراسات وتجارب وأبحاث تمكننا من رؤية واضحة وسليمة. وهنا أجيبك عن المنافسة بين أثمان المواد الغذائية التي نستهلكها وعلاقتها بإنتاج الوقود الحيوي؟ فأقول: إن المسألة خاطئة إذا طرحت بهذه الطريقة، بل أقول إنها مغرضة وتخدم مصالح خارجية معينة، وطرح إشكالية الغذاء أو الوقود بالطريقة التي يتحدث عنها «الإعلام الخارجي» هو طرح خطأ بالنسبة لوضعية المغرب، لأن البحوث التي نقوم بها من أجل إنتاج الطاقة بالمغرب ومن أجل ضمان الأمن الطاقي لبلدنا، ليست لها أية علاقة بزيادة أسعار المواد الغذائية، فالبرازيل التي يتهمها الإعلام العالمي وشركات النفط بالوقوف وراء ارتفاع أثمان المواد الغذائية لها اكتفاء ذاتي في مادة السكر لا تستخدم إلا سبعة ملايين هكتار لزراعة قصب السكر، أي 1 % فقط من أراضيها الزراعية، لكنها تنتج بالمقابل من الميلاس (بقايا قصب السكر بعد استخراج السكر) ونفاياته ما يساوي 80 % من استعمالات السيارات الخاصة من الوقود الحيوي. في تقديري يجب تصحيح هذه النظرة ومباشرة العمل ودراسة التجربة بدون أي تأثير خارجي، خاصة وأننا نعلم بأن مناطق شاسعة من المغرب، خصوصا بالجهة الشرقية ، حيث تتوفر على أراضي جد شاسعة تمتد من دبدو إلى ميسور جنوبا مرورا على صحراء تافيلالت إلى فجيج تندرارة و بني تادجيت وبوعرفة ومعتركة ثم الظهرة وجرادة، كلها آلاف الهكتارات من الأراضي القاحلة والشبه قاحلة لم تستغل قط وحان الأوان أن تلعب دورها في مسار التنمية بتأطير مؤسسات البحث العلمي والمجتمع المدني لخلق تنمية حقيقية تلبي حاجيات ساكنة هذه المناطق من فرص شغل وكهربة ومشاريع مدرة للدخل... فنحن لا ندعو إلى تحويل القمح أو الأرز إلى طاقة، هذا خطأ، لأنه لدينا نباتات طاقية بديلة لا يأكلها لا الإنسان ولا حتى الحيوان، لا تستهلك الماء بكثرة، بل إنها تساعد على محاربة التصحر ووقف زحف الرمال ولها آثار ايجابية على البيئة، مثل هذه النباتات لا تنمو إلا في الأراضي القاحلة أو الشبه قاحلة ونبتة "الجاطروفا" تبقى حاليا المرشحة لقيادة هذه التجربة إذا تضافرت الجهود وتوفرت النوايا الحسنة. وقد كان خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة «المنتدى العالمي للأمن الغذائي والتغيرات المناخية»، المنعقد بروما في أوائل شهر يونيو 2008، واضحا ويشكل بالنسبة لنا الاستراتيجية الوطنية في هذا المجال، بحيث شدد على ضرورة تخصيص الأراضي القاحلة والشبه قاحلة لإنتاج الطاقة الحيوية وعدم استغلال الأراضي الخصبة إلا لإنتاج المواد الغذائية الضرورية. < كلمة أخيرة: > نحن أبناء المنطقة الشرقية يؤلمنا وضع الهشاشة التي تعاني منها هذه المناطق خصوصا منها الجنوبية، تعاني من كل أنواع الحرمان، فالشباب العاطل لا يرى أمامه إلا «لحريك» والنساء القرويات يعانين الأمرين بسبب قساوة المعيشة، كما الأطفال يحتاجون إلى المزيد من المدارس والمستشفيات... هذا هو الواقع ولا أرى بديلا غير العمل من أجل خلق مشروع كامل للتنمية القروية في هذه المناطق للحد من الهجرة بكل أنواعها وتوفير العيش الكريم لهذه الساكنة.