ماذا حل بالإنسان حتى عاش وشاف الخنازير تصاب بالزكام؟! والزكام سيلان المُخاط، والمُخاط خَيطٌ، وما يبدو خيطاً قد يصبح سيلاً جارفاً، لذلك كان المغاربة يقولون «الِّلي دَرْقَكْ بخيط، دَرْقُو بحيط». لكن الزكام هنا مقرون بالخنازير، والخنزير «خنز» يُوجب إغلاق الأنوف، كما تَعافُ النفس السليمة الحرام. نعم، لقد عاش الإنسان وشاف الطيور تصاب بالأنفلونزا، لكن رغم أن الطيور من الطيران، إلاّ أن طيرانها وهجراتها الدائمة، كانا أبطأ من هذه السرعة الفائقة لطيران وجولان عدوى أنفلونزا الخنازير عبر العالم في أقل من أسبوعين. نحن أمام خنازير مُعدية وسريعة أسرع من «لُبنى السريعة»، تستطيع أن تخرج رأس خيط مخاطها بالمكسيك، فإذا الخيط كُبَّة والكبّة قُبَّة فوق الكرة الأرضية جمعاء، هكذا من المكسيك إلى أمريكا إلى إسبانيا وفرنسا إلى نيوزيلاندا، إلى كوريا الجنوبية إلى اسرائيل.. إلى آخره. فأي خنزير يطير مع الطيور فيسبقها؟! الأمر يدعو للاستغراب والريبة فعلا. حتى لكأن الأمر يتعلق فقط بخنزير افتراضي يلعب دور البطولة في «الشبكة العنكبوتية»، حيث الطريق السيار في السماء وتحت البحار، يربط ويخلط ويشبط كل شيء بكل شيء. والمعلوم، أن الخنزير إذا قرر نشر فيروس الأنفلونزا القاتل، فإنه لا يدير لسانه في فمه، ولا يدير رأسه، بل يذهب رأسا بلا «استدارة» نحو نشر عدواه. والمعلوم أيضا، أن الخنزير وإن سار على الطرق المستوية، فإن قوائمه لا تتشابه، وهي أبدا غير مستوية. فمن أين يأتي الخنزير بكل هذه السرعة وقوائمه غير مستوية؟! حتما، إن الخنزير يحاول أن يقلد الطيور، لذلك أصابته عدوى انفلونزا الطيور فطورها أو طيرها، وتشرَّبها أو شرِبها، حتى فاضت مخاطا من خياشيمه، فصارت انفلونزا الخنزير، وطارت في كل اتجاه. لكن الخطير في زكام الخنزير أنه لايُعدي نظراءه وأشباهه فقط، إنه يُمرض الكل، بل إنه يريد أن يصيب بعدواه الأموات أيضا، لذلك إذا شاهدتم خنزيرا في مقبرة، فصونوا أمواتكم، وضعوا الكمّامات الواقية على جماجمهم، أما من لا قبور لهم، فلهم رحمة الله في عليين. بكل تأكيد، أنتم تذكرون قصة خنزير ابن كسلان الذي وجد نفسه في الأدغال، فأرضعته قردة من فصيلة الكسلان، فترعرع إلى جانبها إلى أن اشتد عوده، وتعلم النط بين العرائش والأغصان، فقرر أن ينشر خنزيريته المستقردة في الحظائر، فولج الحاضرة ليجد أن كل ما تعلمه من نط الكسلان، لن يمكنه من رفع قائمتيه الأماميتين فوق الطروطوار، فعاد يتمرن على القفز على الحبال، والقفز الطولي والقفز بالزانة، حتى أتقن الرضاعة بالبيبرو، وحارب المجاعة والجماعة وأتقن العدو والعداء والعدوى ونشر الفيروسات. ولأنه على عجلات من أمره، ركّب لقوائمه عجلات، ثم لنفسه جناحين، ونط من كرسي إلى كرسي إلى كرسي حتى مل الكراسي، ومن بينهما كرسي الإفتاء، ثم قرر ودبر وشاء وقال كرسي القضاء، فأملت عليه حكمته الدغلية أمر المحكمة الدولية! ثم قال: الآن أستطيع أن أعلم المدينة والمدنية خنزيريتي المستقردة وحلق فوق لاهاي ومجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، والأمم المتفرقة والفيروسات تنتشر كلما خبط أو تشبط بالهواء، والهواء يفسد والانسان يمرض ومنظمة الصحة العالمية تحبس أنفاسها، وتنصح بكمامات واقية للأذان ضد هواء يختنق بالفيروسات. ثم حدث أن حدثني «رجل يقعد في هواء فاسد، ويفكر في الحيوانات» أن رجلين وقفا على قمة «زالاغ» وشاهدا شيئا أسود يتحرك، فاختلفا وتراهنا حوله: فقال الأول إنه خنزير، وقال الثاني إنه غراب واقتربا منه، ولما لم يعد يفصلهما عنه إلا بضع خطوات، طار الشيء الأسود. فما كان من الأول إلاّ أن صاح في الثاني مصرا مُلحا متحديا: - ولو طار فإنه خنزير.