في الذكرى الأربعينية لرحيله، التأم، بالرباط، شمل باحثين جامعيين من تخصصات متباينة لتحية عبد الكبير الخطيبي المثقف والأكاديمي والمبدع، ورمز الالتزام بقضايا الأمة وتعايش الشعوب، والوشم الباقي في الذاكرتين الثقافية المغربية والعربية. وأكد رئيس جامعة محمد الخامس السويسي الطيب الشكيلي، في كلمته بالمناسبة إن الراحل كان من الرموز العلمية المغربية التي «وشمت ثقافتنا الوطنية» مبرزا غناه الفكري، وتنوعه الثقافي، ونزعته الإبداعية، ورهانه على الحوار المتساوي مع الآخر دون مركب نقص أو شعور بالدونية، وصدقه مع النفس ومع الآخر دون تصنع. وأضاف أن الخطيبي اختار مواضيعه بعناية، واشتغل على الثقافة الشعبية، وعلى الفلسفة، وعلى السوسيولوجيا، وعلى الخط العربي لإبراز ثرائه وجمالياته، وعلى التاريخ دون أن يكون مؤرخا فهدفه كان هو الوقوف على الممارسة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بوصفها مسارا تاريخيا مركبا ومتداخلا. واعتبر أمين سر أكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات عمر الفاسي الاحتفاء بالخطيبي تثمينا لجهوده الفكرية، وتقديرا لمساهماته العلمية والأدبية، واعترافا بشخصيته الإنسانية في مسيرته الخصبة، التي امتدت على مدى خمسة عقود، مفكرا ومبدعا وملتزما بالقضايا الإنسانية في عمقها الحضاري النبيل. واستحضر علاقته بالخطيبي إبان دراستهما بباريس مشيرا إلى أن الراحل انحاز على الدوام لقضايا وطنه وشعبه، وانفتح على ثقافات العالم المتنوعة مع التحام دائم بالتاريخ الوطني مشيرا إلى أن اسم الخطيبي ارتبط بأسماء مفكرين طليعيين شغلوا الساحتين الفرنسية والعالمية من أمثال رولان بارث وجاك ديريدا. وتناول الأديب المغربي الكبير إدموند عمران المليح مسألة استعمال جيل عبد الكبير الخطيبي للغة الفرنسية دون تفريط في اللغة الأم. وأشار إلى أن الخطيبي، الذي تعرف عليه في قمة عطائه عام1970، كان في طليعة طارحي قضية اللغة. وذكر المليح بصداقة الخطيبي لمدة طويلة لجاك دريدا مما يؤشر إلى الاعتراف والتقدير التي حظيت بها أعماله من المفكر الفرنسي مشددا على ضرورة عدم تحريف مسار الراحل الذي نبذ الحزبية الضيقة، ورفض القناعات العقائدية الدوغمائية. وتحدث الكاتب بنسالم حميش عن الثمن الغالي الذي أداه الخطيبي عن مواقفه الشجاعة من قبيل معاداة اللوبيات الصهيونية لكتابه «فوميتو بلانكو» (الغثيان الأبيض ) -1973 - ضد الحركة الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي، أو معاداة أوساط باريسية بالخصوص لمواقفه من الفرانكفونية (منع وزير الفرنكفونية الفرنسي الأسبق ألان ديكو تلاوة رسالة الخطيبي إلى ندوة أقيمت في أواخر1989 ). ودعا حميش إلى إعادة ترجمة الأعمال الكاملة لعبد الكبير الخطيبي، التي أعادت طبعها «دارلاديفيرانس» الفرنسية، إلى اللغة العربية التي كان يعشقها ويحلم بالكتابة بها مباشرة كما دعا إلى إحداث مؤسسة تعتني بإرثه المعرفي الضخم «فكأنه ترك أوراشا مفتوحة يقع على عاتقنا وعلى عاتق الأجيال المقبلة عبء الاعتناء بها ومواصلتها». واعتبر المندوب السامي للمقاومة وأعضاء جيش التحرير مصطفى الكثيري، من جانبه، الخطيبي، بسخي عطاءاته وجليل أعماله المعرفية المتنوعة، صرحا فكريا من أعمدة الحقل الثقافي في تجاذباته وتصوراته، مشيرا إلى أنه التزم بخط سؤال الهوية والانتماء، وبالنقد المفاهيمي البنيوي خاصة في «صيف ستوكهولم». وذكر الكثيري بمقاربة الخطيبي، العصي على التصنيف، لحكومة التناوب في كتابه «التناوب والأحزاب السياسية»، وبإنجازه بالاشتراك مع محمد السجلماسي موسوعة «الحضارة المغربية»، وكذا بوقوفه في وجه وجودية جان بول سارتر في كتابه «دموع سارتر» مقارعا الحجة بالحجة، ومنتقدا موقف سارتر المساند للمشروع الصهيوني. أما عز الدين الكتاني فقد دعا إلى إحياء وترسيخ ذكرى الخطيبي، أحد رموز الإنتاج والعطاء، وإنشاء مؤسسة خاصة وأجنحة وخزانات ومكتبات ومدرجات تحمل إسمه وأسماء مثقفين من أمثاله ممن أغنوا الحقول المعرفية بالمغرب، وتنظيم ندوات سنوية على مستويات الجامعة واتحاد كتاب المغرب ونادي القلم أو بالتنسيق بينها. وأشار الكتاني إلى أن الحمولة الدلالية لقولة عبد الكبير الخطيبي «ولدت غدا» هي أن البقاء سيكون لأعماله وكتاباته بعد رحيله الجسدي. حضر الحفل التأبيني بالخصوص عمداء كليات، ورؤساء مؤسسات جامعية، وأساتذة وباحثون إلى جانب أرملة الراحل آمنة العلوي وأنجاله.