خرج ائتلاف يضم 13 حزباً سياسيًا معارضاً في جورجيا إلى شوارع العاصمة تبليسي يوم أول من أمس الخميس في مظاهرات احتجاجية مفتوحة ترمي إلى تنحية الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي الذي يتهمونه بخيانة عهد 'الثورة الوردية'، حيث بنى - كما يقولون - حكماً ديكتاتورياً شخصياً، وتسبب في تفشي الفقر، وقاد البلاد نحو حرب مدمرة مع روسيا الصيف الماضي. بيد أن فكرة احتجاجات جماعية تزيد المخاوف بشأن استقرار جورجيا، وهو بلد مضطرب يبلغ عدد سكانه نحو 5 ملايين نسمة ويقع على جبال القوقاز. فرغم انتفاضات الشارع الدورية التي تعرفها البلاد منذ استقلالها عن الاتحاد السوفييتي في ،1991 فإن جورجيا لم تتمكن بعد من تحقيق تسليم دستوري للسلطة من رئيس إلى الرئيس التالي. وحسب خصوم ساكاشفيلي، فإن عشرات الآلاف شاركوا في احتجاجات يوم الخميس، التي تعد أكبر مظهر للغضب العام منذ أن أرغمت ثلاثة أسابيع من الاحتجاجات الرئيس السابق إدوار شيفرنادزه على الاستقالة قبل نحو ست سنوات. لكن المراقبين يقولون إن مجموعات المعارضة منقسمة جداً على نفسها في ما يتعلق بالأهداف والتكتيكات، هذا بينما يتميز موقف ساكاشفيلي، الذي أُعيد انتخابه لولاية جديدة من خمس سنوات في 2008 بالقوة. ويرون أنه إذا لم يستسلم الزعيم الشاب الذي تلقى دراسته الجامعية في أميركا لإغراء استعمال القوة ضد المتظاهرين، مثلما حدث في نوفمبر 2007 حين أمر ساكاشفيلي الشرطة بإخماد الاحتجاجات وإغلاق وسائل الإعلام المنتقدة، مما فجر رد فعل سياسي حاداً وقوياً، فإن لديه حظوظاً حقيقية للصمود في وجه العاصفة. وفي هذا السياق، يقول ألكسندر رونديلي، رئيس 'مؤسسة الدراسات الدولية والاستراتيجية' المستقلة في تبليسي: 'إنه صراع على السلطة وجزء من العمليات السياسية التي بدأتها الثورة الوردية، حين وصل (ساكاشفيلي) الشاب والطموح والمتعجرف إلى السلطة وبدأ إصلاحات جذرية'، مضيفاً: 'لقد نجح في خلق عدة أعداء لنفسه بسبب عناده وأساليبه الثورية... لأن (تلك الإصلاحات) كانت مؤلمة بالنسبة للمجتمع، وقوت الاستياء الاجتماعي باستمرار. باختصار، إنه من الصعب التكيف مع التغيير'. وتتضمن قائمة زعماء المعارضة عدداً من حلفاء ساكاشفيلي المقربين السابقين الذين انقلبوا عليه وسط اتهامات له بأنه يحتكر سلطات كثيرة بين يديه، ويحدد نتائج الانتخابات، ويقدم مكافآت مجزية وسخية لأصدقائه، وحاك سراً مغامرة عسكرية من أجل إعادة السيطرة على إقليمي جورجيا الانفصاليين، أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، انتهت بالهزيمة في أغسطس الماضي. ومن بين هؤلاء: رئيسة البرلمان السابق نينو بورجنادزه، رئيسة الحركة الديمقراطية 'جورجيا المتحدة' التي تدعو إلى مظاهرات واحتجاجات مفتوحة إلى أن يتنحى رفيقها السابق من الثورة الوردية عن السلطة. وزير الخارجية السابق سلومي زورابيتشفيلي، الذي يترأس 'حزب الطريق'. وزير الدفاع السابق إيراكلي أوكرواشفيلي، الذي يتزعم 'الحركة من أجل جورجيا متحدة' الذي تخاصم مع ساكاشفيلي في 2006 واتهم بالفساد، واليوم يتمتع بلجوء دبلوماسي في فرنسا. غير أن زعماء آخرين للمعارضة، مثل السفير الجورجي السابق إلى الأممالمتحدة إيراكلي ألاسانيا، يرون أن المظاهرات ينبغي أن تدوم يوماً واحداً فقط. وفي بيان أذيع على قناة 'مايسترو' التلفزيونية، قال 'أوكرواشفيلي' الأسبوع الماضي: 'إذا كانت (الثورة الوردية) قد سميت الثورة الديمقراطية، فاليوم هناك نفس الحق لتكرارها... إن الأمر يتوقف على الشعب الجورجي، وهدفنا هو إزالة ساكاشفيلي من السطة بأقل قدر ممكن من الألم'. وحتى شيفرنادزه، الرئيس السابق للبلاد، قدم دعمه للمظاهرات الأسبوع الماضي، وقال للصحافيين إن على ساكاشفيلي أن يتنحى؛ لأنه 'الأمر الحكيم والصائب الذي ينبغي القيام به'. هذا، وكان استطلاع للرأي أجراه 'المعهد الجمهوري الدولي' أواخر شهر فبراير الماضي، وجد أن 59 في المئة من الجورجيين يعتقدون أن البلد 'يسير في الاتجاه الخطأ'، مقارنة مع 42 في المئة في سبتمبر الماضي، في حين قال 62 في المئة إن الحالة المادية لعائلاتهم ازدادت سوءاً خلال الشهرين الماضيين. غير أنه حسب الاستطلاع نفسه، فإن 28 في المئة فقط يؤيدون دعوات المعارضة لساكاشفيلي بالاستقالة، في حين قال 51 في المئة إن جورجيا في حاجة إلى 'الوحدة والصبر' من أجل مواجهة تحدياتهم الكبيرة. وفي هذه الأثناء، يحذر بعض الساسة من أن ممارسة خلع الزعماء التي دأبت عليها جورجيا، والتي ابتدأت حين خلع شيفرنادزه أول رئيس منتخب للبلاد، 'زفياد جامسخورديا'، بعد حرب أهلية مريرة في 1992 يمكن أن تفضي إلى التدمير الذاتي للبلاد. وفي هذا السياق يقول جورام شاكفادزه، وهو أحد نواب 'الحزب الديمقراطي الوطني'، الذي يشكل أقلية في البرلمان، الذي تهيمن عليه 'الحركة الوطنية المتحدة' الموالية لساكاشفيلي: 'لدينا بعض التجربة في الحياة السياسية الديمقراطية وما نحتاجه اليوم هو الحوار'، مضيفاً 'اليوم، النظام السياسي غير مناسب أو مؤهل لاستيفاء معايير دولة ديمقراطية عادية. إننا نريد التوازن، توزيعاً أفضل للسلطة، غير أن المشكلة تكمن في حقيقة أنه في كل خمس سنوات نحصل على رئيس جديد منتخَب ب90 في المئة من الأصوات، ولكن الأمر ينتهي دائماً على نحو سيئ'. موسكو وتبيليسي عن «كريستيان ساينس مونيتور»