لقد كان المؤتمر السادس عشر للحزب الاشتراكي البرتغالي، الذي التأم في بلدة إشبنيو ضواحي مدينة بورتو ما بين 27 فبراير وفاتح مارس لحظة متميزة في مسيرة هذا الحزب الذي يحتل موقعا مركزيا في الحياة السياسية البرتغالية. يعود تاريخ تأسيسه الى 19 أبريل 1973، في الوقت الذي كانت البرتغال مازالت ترزح تحت نير الديكتاتورية. وأصبح منذ ما عرف بثورة القرنفل من الأعمدة الرئيسية للمسلسل الديمقراطي في البلاد. لقد تعاقبت على قيادته مجموعة من الشخصيات البارزة نذكر من بينهم ماريو سواريش وخورخي سامباو واونطونيو كتريز الذي أصبح رئيسا للمفوضية الأممية للاجئين، وأخيرا خوسي سوقراطيس الذي بات أمينا عاما للحزب منذ 2004 وقاده الى انتصار هام في الانتخابات التشريعية التي جرت في 20 فبراير 2005. ومنذ ذلك الوقت وهو يقود الحكومة، وقد تم إعادة انتخابه للأمانة العامة للحزب بنسبة وصلت الى %96 من أصوات المناضلين. كل الذين التقوا بالأمين العام والوزير الاول البرتغالي الحالي، يشهدون له بشخصيته الكاريزماتية وبقدراته الخطابية. وقد تلمست ذلك وأنا استمع إليه خلال الجلستين الافتتاحية والختامية للمؤتمر الذي حضرت أشغاله ممثلا لحزبنا الذي يرتبط بعلاقات متميزة مع هذا التنظيم، الحاضر بقوة في البرتغال وفي الحركة الاشتراكية العالمية. لقد كان المؤتمر منظما بشكل محكم. وساعده على ذلك عاملان أساسيان: يتمثل الاول في كون الحزب يقود الحكومة، أي سياسة البرتغال في المجالين الداخلي والخارجي. ويكمن الثاني في تحكم الخط الذي يقوده الامين العام والذي حصلت الارضية التي عنونها ب «قوة التغيير» على الاغلبية الساحقة من أصوات المؤتمرين الذين وصلوا الى ألف وسبعمائة مؤتمر. بل أكثر من ذلك فقد تابع جلسات المؤتمر عدد من المواطنين ربما قد يكونوا مناضلين أو متعاطفين مع الحزب ولكن لا يتوفرون على صفة المؤتمر. بدت لي جودة المؤتمر في شيئين: الأول احترام بشكل إجمالي البرنامج المقرر سلفا. فقد افتتح المؤتمر يوم الجمعة على الساعة السابعة والنصف ليلا بكلمة لرئيس الحزب الذي هو منصب شرفي يتولاه أحد مؤسسي الحزب، وبخطاب توجيهي للأمين العام الذي كان يقاطع بالتصفيقات الحارة والشعارات الحزبية، واختتم يوم الاحد على الساعة الثانية بخطاب الامين العام جوزي سوقراطيس. وثانيا إن حضورنا لم يكن شكليا أو بتركولوليا. لقد شاركت في المؤتمر وفود تمثل أكثر من عشرين حزبا من منطقة البحر الابيض المتوسط وأوربا وأمريكا اللاتينية والصين. وعلاوة على اللقاءات بين مختلف المدعوين والمقيمين بنفس الفندق، فقد نظم لقاء مع وزراء الخارجية والمالية ومجلس الوزراء. لقد قدم وزير الخارجية مداخلته باستعراض المحددات التي تحدد سياسة بلد كالبرتغال في ضوء التحديات العالمية المتعاقبة، واعتبر ان البرتغال رغم صغره يمكن أن يلعب دورا مهما متسلحا بتراثه وتاريخه وتواجده في أوربا وفي بعض المواقع المؤسساتية. ومن ثم في مواجهة الازمة، لا مناص من ضبط النظام العالمي وخاصة ما يتعلق بالنظام المالي. وأوربا لها من المقومات ما يسمح لها بالمساهمة بشكل إيجابي في هذا المسار. تساءل وزير المالية عن قدرات اقتصاد صغير ومنفتح على مواجهة الازمة الحالية التي تعصف بالعالم. لقد اعتبر انه من الخطأ ترك هذه الازمة تعصف بالمستقبل، وفي نفس الوقت ليس مقبولا استغلال الازمة للترويج لحلول لامسؤولة، وديماغوجية. إن الشيء البارز هو ضمان مستوى مرتفع من التنافسية ولن يتم ذلك إلا برفع الإنتاجية من خلال مواصلة الإصلاحات فيما يتعلق بالإدارة والتربية والصحة وإنتاج قدرات جديدة مرتكزة على التكنولوجيا الجديدة. فلا يمكن التقدم دون قوات عاملة مؤهلة إن هذه الاصلاحات هي التي سترفع من مصداقية الاقتصاد بشكل يمكنه من جلب الاستثمارات الضرورية. موضوع الاصلاح هو الذي ركز عليه الامين العام خوسي سوقراطيس في خطابه الختامي للمؤتمر السادس عشر للحزب، حيث اعتبر أن محاور العمل الحزبي والحكومي تعتمد على ثلاث أقطاب وهي مواصلة الدمقرطة والاصلاح والمساواة. وفي أفق الانتخابات المقبلة، سواء منها المحلية أو الأوربية، خاصة التشريعية، فقد دعا الناخبين الى تجديد الثقة في الاغلبية الحالية التي هي الشرط الوحيد لأن تكون للحكومة القوة والاستقرار اللازمين لاستكمال الاصلاحات. وقد ركز بالاساس على الاستمرار في نهج سياسة تعتمد على الاستثمار العمومي لإنعاش الاقتصاد وحماية سوق الشغل، وكذا التقليص من الفوارق من خلال إصلاح جبائي أكثر عدالة ومواصلة إصلاح التعليم عن طريق إقرار إجبارية إثنى عشر سنة من التمدرس لكل تلميذ. وفي هذا السياق قرر إحداث منحة جديدة تصرف للتلاميذ الذين يتراوح سنهم ما بين 15 و18 سنة لمساعدتهم على التفوق الدراسي، وعلى ضمان تكافؤ الفرص. الخلاصة الاساسية، أن التوافق الذي شهده المؤتمر يمثل تكريسا لمكانة الامين العام الحالي ولدوره في تسيير البلاد، لكن الحزب تنتظره استحقاقات انتخابية صعبة بفعل انعكاسات الأزمة التي تحاول قوى اليمين استغلالها للتقليص من قوة الاشتراكيين. وكل السؤال المطروح في البرتغال هو معرفة ما إذا كان الحزب الاشتراكي سيحافظ على أغلبيته المطلقة، أم أنه سيضطر الى تشكيل حكومة ائتلافية؟