لم يضع موت إيلوانا إينغلارو حدا للأزمة الدستوية التي اندلعت بسبب محاولة الحكومة إلغاء قرار قضائي يمنحها الحق في وضع حد لحياتها، بواسطة مرسوم رفض رئيس الجمهورية توقيعه. فقد توفيت إيلوانا مساء أمس بالمصحة، التي كانت تخضع فيها لإجراءات الموت الرحيم الذي منحتها الحق فيه المحكمة العليا، بعد أن أمضت17 سنة متعلقة بالحياة بفضل التغذية الاصطناعية. وأعلن أن حالتها ساءت للحظات قصيرة، وتوفيت فجأة وبشكل غير متوقع بعدما كانت الحالة مستقرة إلى بداية المساء. وسبق للأطباء المشرفين على الوقف التدريجي للتغذية الاصطناعية أن أعلنوا أن إيلوانا لن تسلم الروح قبل12 يوما، على أقل تقدير، بعد الشروع في العملية يوم الجمعة الماضي. واندلعت الأزمة الدستورية غير المسبوقة في إيطاليا بعد أن أصدرت الحكومة اليمينية برئاسة سيلفيو برلسكوني يوم الجمعة الماضي مرسوما يمنع تنفيذ قرار المحكمة العليا، وإعلان الرئيس نابوليتانو رفضه توقيع المرسوم الحكومي، مما حدا ببرلسكوني إلى اللجوء للبرلمان للحصول على موافقته على المرسوم. وأعلن برلسكوني حينها أن رئيس الحكومة هو الذي يحكم البلاد وليس رئيس الجمهورية، وأن من حقه إصدار مراسيم قوانين في حالات مستعجلة مثل حالة إيلوانا، وذهب أبعد من ذلك عندما أعلن أنه سيعمل على تعديل الدستور لتثبيت حق رئيس الحكومة في ممارسة السلطات المخولة له بواسطة المراسيم والتصويت بالثقة. ومن جانبه، برر رئيس الجمهورية رفضه توقيع المرسوم بدعوى أن «الاعتراضات على عدم دستورية بعض النقاط في النص لم يتم تفاديها». وأضاف أن المرسوم «يخرق الفصل التام بين السلطتين التنفيذية والقضائية،لأنه يعارض قرارا قضائيا». ودافعت المعارضة البرلمانية والراديكالية عن موقف الرئيس نابوليتانو متهمة برلسكوني بافتعال الأزمة مع رئاسة الجمهورية واستغلال حالة إيلوانا إينغلارو لأغراض سياسية وللحد من فصل السلط واستقلال القضاء. واعتبرت المعارضة، التي انتقدت بعض مكوناتها في أكثر من مرة صمت الرئاسة إزاء معالجة الحكومة لعدد من الملفات بواسطة المراسيم بدل اللجوء إلى البرلمان، أن برلسكوني يهدف من وراء هذه المواجهة المفتوحة مع نابوليتانو إلى ضرب أسس الديمقراطية في البلاد وتدبير شؤونها «كما لو كانت إحدى مقاولاته». وشددت المعارضة على أن برلسكوني «استغل الحالة المأساوية لإيلوانا لزعزعة التوازن بين مؤسسات الدولة، وزعزعة استقرار البلاد السياسي مما يمهد لدعوته لتغيير الدستور». ورأت أنه يرمي من افتعال هذه الأزمة إلى القفز على سلطة البرلمان وترسيخ العمل بالمراسيم الحكومية «لاستعمالها في مناسبات قادمة ولأغراض شخصية». وكان استطلاع للرأي أجرته إحدى القنوات الإخبارية قد كشف أن أزيد من60 بالمائة من الإيطاليين يعترضون على المرسوم الحكومي معتبرين أنه لايمكن فرض التغذية الاصطناعية على المرضى غير القادرين على أن يعيشوا حياة طبيعية. وزاد من حدة المواجهة نزول الكنيسة الكاثوليكية بكل ثقلها في المعركة إلى جانب الحكومة مدافعة عن الحق في الحياة واعتبار الموت الرحيم متعارضا مع التعاليم المسيحية، التي لا تزال متجذرة في المجتمع الإيطالي. ومباشرة بعد إعلان وفاة إيلوانا أمس، شهدت جلسة مجلس الشيوخ مشاداة كلامية عنيفة بين نواب المعارضة والأغلبية. واتهمت الأخيرة أحزاب المعارضة «بقتل إيلوانا». وشن رئيس فريق الأغلبية بالمجلس ماوريتسيو غاسباري هجوما عنيفا ضد رئيس الجمهورية محملا إياه المسؤولية في وفاة إيلوانا برفضه توقيع المرسوم الحكومي. ورد غاسباري على بيان لرئاسة الجمهورية يدعو إلى «الصمت احتراما لمأساة إيلوانا، ولمشاعر حزن عائلتها» بقوله «ليس هذا وقت الصمت، ليس من حقه أن يطلب منا أن نصمت، يجب معرفة ما حدث» محملا المسؤولية في ذلك «لمن رفض التوقيع» في إشارة إلى امتناع نابوليتانو عن توقيع مرسوم الحكومة. وردت المعارضة بأن هذه الاتهامات «شئ لا يصدق» وأن مهاجمة رئيس الجمهورية بهذه الطريقة «غير مقبول». وبدل التصويت على مشروع المرسوم الذي كان منتظرا البدء فيه صباح اليوم، والذي أعلنت الحكومة سحبه، بعد وفاة المعنية به، دعت الأغلبية إلى البدء في مناقشة مشروع قانون يمنع الموت الرحيم كلية وينظم بشكل كامل مسألة «الوصية البيولوجية حول وضع حد للحياة» والمصادقة عليه من طرف البرلمان قبل مطلع مارس المقبل.