يوم الأربعاء 28 يناير الجاري، تدخل أحمد الزايدي أمام الوفد البرلماني الأوروبي الذي زار المغرب، كما التقى بالعديد من الفعاليات الوطنية. وفيما يلي تدخل رئيس الفريق الاشتراكي: «بعد تجديد الترحيب بكم، أود أن أعيد التأكيد على أهمية مثل هذه اللقاءات وعلى أهمية الحوار بيننا كمشاركين وممثلين للإرادة الشعبية، إذ أن من شأن ذلك أن يتيح إمكانية التغلب على عدد من المشاكل وكسر بعض الحواجز التي تكون في بعض الأحيان أصل عدم التفاهم بشأن قضايا مشتركة. أعتقد أن مهمتكم تكتسي أهمية بالغة لنا جميعا، وآمل أن تكون مكنتكم من تكوين صورة أقرب إلى الحقيقة، وفي الميدان بشأن الشق الحقوقي والإنساني في جزء من التراب الوطني المغربي. وسأحصر تدخلي بالضبط في هذا الجانب، إذ أن الوضع لا يسمح بتناول تطور النزاع المفتعل حول الأقاليم الجنوبية المغربية. ومع ذلك، اسمحوا لي أن أؤكد لكم كرئيس لفريق واحد من أكبر، بل وأعتد حزب اشتراكي مغربي، كان وما يزال رقما رئيسيا في المعادلات السياسية في المغرب على ما يلي: 1- إن استكمال الوحدة الترابية للمغرب أمر منته بالنسبة للشعب المغربي وأي مساس بالوضع القائم سيكون مصدر عدم استقرار المنطقة بكاملها وسيعيدها إلى عهود سابقة. 2- إن المغرب منفتح على كل الاقتراحات والسيناريوهات في إطار وحدته التربية، ولهذه الغاية تقدم بمقترح الحكم الذاتي بشأن الأقاليم الجنوبية المغربية. 3- أن الانفصال وخلق دولة مزعومة في الصحراء، سيشكل كارثة على مجموع المنطقة وأوروبا أيضا. إنكم لا شك تتابعون التقارير التي تؤكد وجود علاقة بين شبكات الإرهاب والتهريب وتجارة المخدرات وعدم الاستقرار في منطقة الصحراء، وترون نتائج ضعف الدول على عدم الاستقرار الدولي. الأمثلة كثيرة على ذلك: الصومال - السودان - الكونغو إلخ... واسمحوا لي أن أنتقل إلى الشق الحقوقي. إن المتابع للشأن المغربي يقف على الخطوات والجهود الكبرى التي بذلها المغرب على طريق تثبيت ركائز دولة القانون والمؤسسات وصيانة حقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية. ولم يكن ما تحقق حدث بالصدفة. لقد كان جاء نتيجة نضالات ومد وجزر وحوار وتوافق وبعد قمع عنيفة، وأدى العديد من المغاربة ضريبة السجن والاعتقال والمنفى ومنهم من استشهد من أجل ذلك. إنني أقول هذا وأنا أنتمي إلى حزب يتصدر قائمة التنظيمات التي أعطت أكبر عدد من المعتقلين والشهداء. إن ما تحقق أيضا هو في جزء منه نتيجة لحيوية المجتمع المغربي وللتعددية الثقافية المغربية الغنية التي لا تقبل الطمس والاحتواء. المجتمع المغربي متعدد في تكوينه البشري والثقافي، فمنه العربي والأمازيغي والإفريقي والأندلسي والمسلم والمسيحي واليهودي. تاريخيا هذا التعدد يشكل رافعة لانفتاحنا ولتعدداتنا السياسية. منذ مطلع التسعينات، وبعد أزيد من 30 سنة من الصراع، كانت بداية الإصلاح والتوافق، فكان العفو العام عن معتقلي الرأي والمنفيين. وإحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وكان الدستور المعدل في 1996 وكان التناوب بقيادة الاتحاد الاشتراكي وولجنا مرحلة الانتقال الديمقراطي، وكانت هيأة الإنصاف والمصالحة والوقوف على معاناة المغاربة من سنوات الرصاص. واعترفت الدولة بأخطائها، وكانت تجربة سياسية وإنسانية وثقافية فريدة. (اعتقد أن العديد من الدول المتقدمة لم تفلح في الوصول إلى هذه النتائج) في كل هذا لم تكن وضعية حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية مغيبة أو معزولة، بل كانت جزءا من الوضعية العامة للشعب المغربي. وأكثر من ذلك أن هيأة الإنصاف والمصالحة انكبت على ملفات جد شائكة لها علاقة بالنزاع المفتعل في الصحراء، وتقرير الهيأة منشور ورهن العموم ويمكن التأكد من ذلك. وإذا كانت حقوق الإنسان لا يمكن اختزالها في الحقوق السياسية، فإن الاهتمام الذي توليه الدولة لتنمية الأقاليم الجنوبية هو اهتمام خاص، إذ كان عليها تحمل مسؤوليتها وإخراجها من التخلف الذي تركته فيها إدارة فرانكو الاستعمارية. كان عليها بناء الطرق، والموانئ، والمطارات، والمدارس، والثانويات، والمستشفيات وتوفير الكهرباء والماء الشروب. كل هذا كان وما يزال مكلفا ويتطلب عشرات الملايير من الأورو. لقد ذكرت بكل هذا للدلالة على أن مقاربة المغرب الحقوقية، تتجاوز السياسي إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأعتقد أن أوروبا الديمقراطية لا يمكنها إلا أن تشجع هذا الطرح. لقد ظلت تقارير البوليساريو والجزائر تدعي منذ وقف إطلاق النار أن 28 مواطنا صحراويا يعتبرون في عداد المفقودين أو المعتقلين ومن 2 إلى 6 نونبر 2001 أجرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر تحقيقا في الأقاليم الجنوبية المغربية وثبت لها أن المفترى عليهم أحياء ويعيشون حياة عادية وتمكنت من الاتصال بهم وأصدرت بلاغا في الموضوع بتاريخ 15/11/2001 مكذبة بذلك ادعاءات البوليساريو. إذن مسألة الاختفاء منتهية ولا أساس لها من الصحة. في ما يخص بعض الاعتقالات التي تحدث إثر أحداث اجتماعية. اسمحوا لي أن أشهدكم على أن مثل هذه الأحداث المرتبطة بمطالب اجتماعية واقتصادية، تحدث في كل المجتمعات الديمقراطية، لأن الديمقراطيات هي التي تسمح بها. ولكن المشكل هو أن بعض الانفصاليين الموالين للبوليساريو والجزائر يستغلون هذه الاحتجاجات ويضخمونها ويسيسونها ويعطونها أفقا انفصاليا، فتارة يسمون تجمع عشرة أو عشرين شخصا انتفاضة أو تمرد أو ثورة، وتعمل هذه العناصر على استعمال العنف واستفزاز الأجهزة المكلفة بالأمن والنظام العام، ويمكنني أن أؤكد لكم أن تدخل الأمن لا يكون إلا عندما يحصل استعمال العنف من طرف هؤلاء الذين ربما حدثوكم عنهم هنا في الأقاليم الجنوبية أو في أوروبا. واسمحوا لي أن أسألكم من هي هذه الدولة التي تسمح بممارسة العنف من جانب انفصاليين يودون تفتيت الدولة. لا تسمح بذلك إسبانيا في بلاد الباسك، ولا فرنسا في كورسيكا، ولا الجزائر في منطقة الطوارق، ولا تركيا في جنوب شرق الأناضول ولا بريطانيا مع الجيش الجمهوري. لقد تعودنا في المغرب على التظاهر الذي نعتبره مظهرا من مظاهر الديمقراطية. فعندما تختار الديمقراطية إمكانيات وموارد متواضعة والخصاص كبير عليك أن تنتظر الاحتجاجات لأنها مكفولة بالقانون. كان هذا هو الحال في سيدي إفني ولكن أيضا وقبلها في صغرو و بوعرفة وهذا هو الحال في الرباط يوميا مع الشباب الحاملين للشواهد والعاطلين عن العمل. لقد شكل البرلمان المغربي لجنة للتقصي في إحداث سيدي إفني بعد أن تداولت وسائل الإعلام وتحديدا قناة الجزيرة مقتل ثمانية مواطنين وخروقات صادمة، وقد كشفت لجنة التقصي أنه لم يكن هناك أي قتيل وأن هناك خروقات طالبنا بمتابعت مرتكبيها. واسمحولي أن أسائلكم أيها الزملاء : هل تتصورون أن تجاوزات تقع بالحجم الذي تصوره دعاية البوليساريو ونحن صامتون على ذلك. لقد ولدنا من رحم النضال من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وناضلنا من أجل تثبيتها، فكيف نسمح بخرق القانون والمس بحقوق الإنسان في أي بلد في العالم وبالأحرى في بلادنا . هل تتصورون أننا كلنا في هذا البلد من أقصى اليمين الليبرالي، والمحافظ، والوسط، والإسلاميين، والاشتراكيين، والديمقراطيين، واليساريين الماركسيين، والتروتكسين ... هل تتصورون أن تسكت كل هذه التنظيمات على ما يزعم أنه قمع ومس بالحقوق. إنه أمر مريب ومزعج وفيه مجانبة للحقيقة مثلا أن نتصور أن ست منظمات حقوقية مغربية وأخرى دولية عاملة في المغرب تسكت على كل هذه التجاوزات المزعومة . إننا بلد مفتوح ، ونتوفر على إعلام حر، والعديد من المنظمات الدولية الحقوقية تعمل في المغرب، مما يجعل أي تجاوز موضوع فضح وتساؤل . في الشق الآخر من تدخلي أود أن أشير في عجالة إلى وضع حقوق الإنسان في مخيمات تيندوف . كما تعرفون، فإن وقف إطلاق النار ثبت منذ 1991 مع مخطط دي كويلار. ومع ذلك، فإن معاناة آلاف المحتجزين المغاربة المدنيين والعسكريين مستمرة . فقد قضى 916 أسيرا عسكريا مغربيا أكثر من عشرين عاما رهن الاحتجاز وقضى 420 منهم 25 سنة ، وهي أطول فترة يقضيها أسرى حرب في التاريخ وما يزال العشرات منهم مفقودين ونطلب منكم المساعدة على إجلاء الحقيقة والكشف عن مصيرهم . ولست بحاجة إلى تذكيركم بمقتضيات القانون الدولي الإنساني في هذا الشأن وخاصة اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة وجميع مقتضيات قانون الحروب والنزاعات . أما الوجه الأكثر بشاعة فهو استمرار احتجاز آلاف المغاربة في تيندوف على الأرض الجزائرية وتحت إمرة جنرالات الجيش الجزائري والطبقة المتحكمة في البوليساريو . إنه الخرق السافر لكل مواثيق حقوق الإنسان ومقتضيات القانون الدولي الإنساني . إنه خرق للحق في التنقل والحصول على جنسية وحق مغادرة البلد والعودة إليه وحق الهروب من الاضطهاد، كما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكل المواثيق التي أجمعت عليها الشعوب المتحضرة . وإن مما يزيد من معاناة هؤلاء هو احتجازهم في بيئة جد قاسية وظروف مناخية صعبة، فضلا عن الضبابية التي تلف وضعهم ومن هي الدولة الحاجزة لهم La puissance Détentrice من حيث القانون الدولي الإنساني . إن من شأن تمكين هؤلاء من حريتهم أن ينتهي النزاع، لأن الجزائر لن تجد بعد ذلك من مبرر ولن تجد درعا بشريا تستعمله مبررا لإطالة أمد النزاع . الأمر الثالث : في هذا الشق ويتعلق بالكذب والادعاء والنفخ في أعداد سكان مخيمات تيندوف . كانت الجزائر تدعي أنهم 260 ألف وبعدها في يونيو 2007 أعلنت البوليساريو أن عددهم 190 ألف . وفي دجنبر كذبت المندوبية السامية لشؤون اللاجئين كل هذا وأكدت أن عدد ما يسمى باللاجئين بمخيمات تيندوف هو 90 ألف . وأنتم تعلمون لماذا يتم النفخ في الأرقام. - أولا : من أجل ادعاء التمثيلية. - وثانيا : من أجل جمع المساعدات الإنسانية التي هي مصدر ثراء قادة البوليساريو . الأمر الرابع : هو الاعتقال والتعذيب الذي يطال سكان المخيمات، إننا بصدد بنية مغلقة يتم التصرف فيها بعيدا عن الرقابة وتتم فيها تصفية الحسابات لمجرد أدنى شك في الولاء. الأمر الخامس : هو سيادة العنصرية ونظام الرقيق Racisme et esclavage في مخيمات تيندوف . لقد كشفت عدة تقارير دولية أن ممارسة العبودية ظاهرة مستمرة في المخيمات، وأن النساء ذات اللون الأسود مثلا لا يسمح لهن بالزواج لأنهن خاضعات لقانون ملكية السيد . إن حالة الطفلة سلطانة التي خاضت من أجلها منظمات إنسانية معركة قانونية لرفع العبودية عنها لجد دالة ، فقد تمكنت من الحصول على الحرية والتحرر من العبودية في 30 أبريل 2008 بفضل حكم قضائي صادر عن محكمة مورسيا وهي الآن تعيش مع عائلة سانشيز بإسبانيا. وفي مارس 2007 تم اعتقال صحفيين استراليين من طرف البوليساريو بعد أن كانا يصوران شريطا في المخيمات، واكتشفا أن العبودية والعنصرية ظاهرتان سائدتان في مخيمات تيندوف . وأعد الصحفيان شريطا عن العبودية بين سكان المخيمات وفي الذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان بثت المنظمة الدولية المسماة Word Action For Refugees الحركة العالمية من أجل اللاجئين الكائن مقرها بأوسلو شريطا حول العبودية التي يعاني منها سكان المخيمات ذوو اللون الأسود ، وقد أدانت المنظمة في بلاغ في الموضوع صدر في دجنبر 2008 هذه الظاهرة واعتبرها لا إنسانية ولا أخلاقية. الأدهى من ذلك أن العبودية معترف بها في مؤسسات البوليساريو، فلكي تتحرر من العبودية يلزمك قرار من المحكمة قبل قرار الأسياد. (أدلي للجنة عن مستخرج لحكم من طرف ما يسمى بمحكمة البوليساريو بالمصادقة على التحرير من العبودية). هذه بعض الأمثلة والشهادات فقط، كما يتسرب وسط تعتيم إعلامي كبير عما يجري في تيندوف . هذه جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وخرق لحقوق الإنسان في غياب أي إطار مؤسساتي أو وضع قانوني للمخيمات . هذا عدا الإرغام على ممارسة البغاء والتشهير . الأمر السادس: هو ظاهرة ترحيل الأطفال إلى كوبا وإرغامهم على تعلم مبادئ الشيوعية واعتناق الفكر الشمولي ، وقطع علاقاتهم بذويهم ، أنه إرغام على تغيير الهوية يفرض على القاصرين . وهذه جريمة تشارك فيها عدة أطراف وتلتزم بدورها التحقيق . هذه بعض الإشارات فقط حول الشق الحقوقي في النزاع، واعتقد أنكم كديمقراطيين لن تسمحوا باستمرار مثل هذه الممارسات. وإننا نعول عليكم على فضحها بغض النظر عن الشق السياسي للنزاع. بقي عنصر واحد أستسمحكم في توجيهه لكم من منطلقين: مسؤول سياسي، وصحفي التكوين. أولا: كمسؤول سياسي أقول أن لنا جميعا كبرلمانيين مسؤولية تاريخية لمساعدة المنطقة على تجاوز مخلفات التاريخ الاستعماري. والعمل على الاندماج الإقليمي في الاتحاد الأوروبي. وهذه المسؤولية لن يعفينا التاريخ جميعا إذا ضيعناها. ثانيا: كصحفي (20 سنة من العمل الميداني) أرجوكم أن نعود إلى قاعدة ميدانية في علوم الإعلام وهي بالتأكد من مصدر الخبر، فكم هي كثيرة الأخبار المغلوطة والتي تترتب عنها قرارات ورؤى ظالمة ومجحفة ويكون الخطأ جسيما عندما يتعلق الأمر بحق شعب لا ينشد أكثر من وحدة وطنه التي مزقها. ثلاث قوى استعمارية على مر التاريخ شمالا وجنوبا ووسطا.»