مساء يوم الأحد 25 غشت 2024 اختتم مهرجان ظاهرة المجموعات في دورته الثالثة، التي تنظمها مقاطعة الحي المحمدي. هذا المهرجان الذي أسدل الستار على كل المبادرات الفنية والغنائية الصيفية التي عرفت نجاحا باهرا أعادت لمنطقة الحي المحمدي وهجها الغيواني وهويتها الفنية الإبداعية في شقها الملتزم والاحتفالي التنشيطي، مهرجان اطمأنت له ساكنة الحي المحمدي بكل ما تختزنه من حمولة ثقافية وفنية وفكرية، وزخم النضال الوطني الذي يجره تاريخ هذه المنطقة المناضلة بامتياز، وهي المنطقة التي نعتت بكونها من أهم مراكز مقاومة الاستعمار الفرنسي في المغرب أيام المقاومة الوطنية، حيث عرف الحي سنة 1953 ثورة كاريان سانطرال، ما دفع بالسلطان محمد الخامس، رحمة الله عليه، إلى القيام بأول زيارة له بعد عودته من منفاه، إذ كان أول حي يزوره في الدارالبيضاء ويغير اسمه من "كاريان سنطرال" إلى الحي المحمدي تكريما لوفاء أبنائه وبناته وتضحياتهم. كما تتذكر ساكنة الحي المحمدي زيارة للمغفور له الملك الحسن الثاني رفقة ولي العهد آنذاك الملك محمد السادس في مناسبات عدة سواء الزيارة الأولى أو الأخرى لوضع حجر الأساس لبناء مقر العمالة أو لتدشينها، أو زيارات الملك محمد السادس الاجتماعية والإنسانية نظير عطفه، طبعت ورسخت تلك العلاقة الوطيدة بين أبناء هذا الحي من الطبقة الكادحة والسلاطين العلويين لهذه المنطقة الولادة فكريا، فنيا، رياضيا، إبداعيا، وغيرها من الميادين التي رفع من خلالها أبناء وبنات الحي المحمدي راية وعزة بلدهم إلى العليين في المحافل الدولية. وهو الحي كذلك الذي احتضن أفرادا من الحركة الوطنية والحركة العمالية في مسيرتها النضالية لبناء المغرب الحديث. إن نجاح هذه التظاهرات الفنية والإبداعية المتميزة، وبدون أدنى مشكل أمني وبتنظيم محكم وانضباط راق ومسؤول لساكنة الحي المحمدي دليل على براءة هذه المنطقة من كل الشوائب الملتصقة بها، إعلاميا وشعبويا وحتى انتخابيا، ويؤكد بالملموس أن الأصل أصل لا يصدأ. والمناسبة شرط، لا بد هنا أن نحيي عاليا مبادرة وإصرار مقاطعة الحي المحمدي ورئيسها، التي أسست لهذه المهرجانات وحافظت عليها سنويا، وأكيد لا ننسى بعض المبادرات في نفس المجال للفترة السابقة، وطبعا فإن الخلفية الثقافية والتقدمية لبعض المنتخبين وعلى رأسهم فريق الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية برئاسة مروان راشدي، النائب الثاني للرئيس المكلف بالقضايا الثقافية والاجتماعية والرياضية خلال هذه الولاية، ورئيس لجنة الشؤون الثقافية والاجتماعية والرياضية خلال الولاية السابقة، والذي له الفضل وفريقه في إبداع الفكرة والمضي بها قدما حتى أصبحت ممأسسة ضمن برامج المقاطعة، بل والمدينة أيضا، بحرص من والي الدارالبيضاء ورئيسة مجلس المدينة على حضورها، بل والاهتمام بمسارها وبكل حيثياتها. طبعا، لا يمكن لمثل هذه الأفكار والمبادرات أن تتم بلورتها وتنفيذها والتشبث بها لولا المرجعية السياسية والفكرية المنتصرة لذلك، بعيدا عن الحسابات الضيقة التي لا تراعي مصالح ساكنة المنطقة المادية واللامادية، وإن نجاح كل المبادرات الثقافية والفنية المنظمة من طرف مجلس المقاطعة هو دليل على تعطش الساكنة وتشبثها بهويتها والحفاظ عليها بل وتطويرها لاحتضان هذا التراث ومنعه من الضياع بزوال مبدعيه، وهو ما يعكس جوهر الفكرة لفسح المجال أمام هذه المجموعات الشابة إلى جانب المخضرمين من ناس الغيوان، لمشاهب، جيل جيلالة، مسناوة، السهام، تكدة...، وفي الاتجاه كذلك الذي تصبح معه محركا أساسياً لتنمية هذه المنطقة. وليست المناسبة هناك لاستعراض تاريخ منطقة الحي المحمدي و"كاريان سنطرال" وما تزخر به وما خلفته من رواد ومفكرين وسياسيين وفنانين ورياضيين، بل فقط التأكيد على أهمية كل هذه المبادرات النبيلة الشعبية الهادفة التي تعيد مسار المنطقة إلى سكتها وأصلها الأصيل، ولتجاوز كل "الكليشيهات" التي أريد لها أن تلصق على ناصية منطقة الحي المحمدي في انتظار توسيع مجال الاهتمامات إلى المجال الفني؛ خاصة المسرح والسينما في بعدهما الاحترافي، وتثمين مجهودات الحركة الثقافية والفكرية والجمعوية التطوعية بالاحتفاء بالرواد والمؤسسات كسينما "السعادة" التي يجب أن تظل منارة للسينما والمسرح وتحقيق الهدف -القديم الجديد- بتحويل معتقل مولاي الشريف إلى متحف وطني للذاكرة الجماعية، وتحويل فضاء "كاريان سنطرال" بعد إفراغه، إلى فضاء أخضر ومؤسسات سوسيوثقافية لاحتضان المواهب والطاقات الشابة، هذا فضلا عن الجانب الرياضي بإنصاف أنواع الرياضات المختلفة في مقدمتها الملاكمة التي توجت المغرب بميداليات تاريخية عن طريق أبناء الحي المحمدي، وإنقاذ مسيرة فريق الاتحاد البيضاوي ليتبوأ المكانة التي تليق به وبتاريخه ضمن الكبار، ونادي كرة اليد المعروف باحترافيته...، وباقي المجالات والاهتمامات !