قام عاهل البلاد بإحالة المقترحات التي تضمنتها التعديلات المُقترحة من طرف الهيئة بذلك على المجلس الأعلى العلمي طبقا لأحكام المادة 41 من الدستور المغربي الذي يعطي الاختصاص الحصري للإفتاء لدى هذه المؤسسة، وقد استعمل الملك في ذلك صلاحياته الدستورية كرئيس للدولة من خلال استكمال المشاورات مع مختلف المؤسسات، وكذا سلطته الدينية بصفته أميراً للمؤمنين مع ما يعني ذلك من حرص على تأطير التعديلات بقاعدة «لن يُحرم حلالاً، و لن يحلّل حراماً» مع تشديده على ضرورة إعمال الاجتهاد و المقاصد الفقهية الدينية التي تنهل من الإسلام المغربي ومن قيم التسامح والتعايش والإنصاف التي طبعت دين المملكة المغربية. نص البلاغ الذي تم الإعلان فيه عن إحالة بعض المقتضيات المقترحة على المجلس قصد الأخذ بموقفه والإفتاء فيها، هي ليست دعوة للتحجر ولا دعوة لكي تكون الفتوى محافظة، هي رغبة في أن تساهم مختلف المؤسسات في عملية المشاورات التي تتم، وفي أن يكون للعلماء المعترف لهم بإصدار الفتاوى الكلمة الفصل في هذه المقترحات، على العكس رسالة تعيين الهيئة والبلاغ الذي تم الإعلان فيه عن إحالة المدونة على المجلس العلمي شددت على ضرورة « إعمال فضائل الاعتدال و الاجتهاد المنفتح البناء» بمعنى أن الفتوى ستكون متجهة نحو إعمال قواعد الاجتهاد الفقهي المتنور، و ليس كما قد يُفسر ذلك البعض من كونها رغبة في إضفاء طابع محافظ على النص الذي سيتم اقتراحه. يبدو أن هناك مقترحات كان فيها اجتهاد من طرف الهيئة، هذا الاجتهاد يحتاج لتأطير فقهي من المجلس الأعلى العلمي لقطع الطريق على كل فقهاء اليوتوب ووسائل التواصل الاجتماعي، ورغبة واضحة في تأطير هذا النقاش من خلال القنوات الدستورية والمؤسساتية الموكول لها اختصاص الإفتاء. مدونة الأسرة ليست نصاً عادياً، بل هي مضامين قانونية تؤطر المجتمع و تواكب تطوره الذي حدث منذ دخول مدونة الأسرة سنة 2003 لحيز التنفيذ، وهو تطور كان آنذاك للملك الكلمة الفصل فيه الذي انتصر أنذاك لمضامين حداثية اعتبرت ثورة حقيقية، بالنَّظر للسياق الذي كان يعيشه المغرب أنذاك وقوة التيار المحافظ. اليوم تغيرت هذه المعطيات بعد أكثر من عشرين سنة من تطبيق مدونة الأسرة، وأصبح من الضروري أن نخطو خطوة أخرى في مسار تحديث المجتمع على أسس واضحة، متينة، بمقاربة يوجد في قلبها استحضار كل المعطيات التي يجب الانتباه إليها لقطع الطريق على كل المتربصين بإصلاح المدونة. إحالة المدونة على المجلس الأعلى العلمي هي خطوة في مسار اختاره الملك من أجل الوصول بهذا النص لبر الأمان، للمؤسسة التشريعية لتتحمل الفرق البرلمانية مسؤوليتها التشريعية سواء في المناقشة أو في تقديم المقترحات التي قد تكون إضافية لما سيتم الإعلان عنه، حتى تستكمل دورة إصدار المدونة. هنا لابد من التذكير مرة أخرى باختيار الملك أن تصدر المدونة كقانون، تعزيزاً لدور البرلمان لمهمته التشريعية، وتعزيزاً للاختيار الديموقراطي-المؤسساتي.