تحت شعار «لنحلق بأجنحة الكتاب» انطلقت الجمعة الماضي فعاليات الدورة السابعة والثلاثين من المعرض الدولي للكتاب بتونس، لكنها دورة كُتب لبعض الإصدارات فيها أن تبقى بلا أجنحة. نتحدث هنا عن مصادرة السلطات التونسية مؤلفا عنوانه «فرانكشتاين تونس « للروائي التونسي كمال الرياحي، مبررة هذا الإجراء بعدم الحصول على ترخيص مسبق، ما دفعها أيضا الى إغلاق جناح الناشر «دار الكتاب والنشر»، غير إن اسم الكتاب حلق في الآفاق بعدما تم تداول خبر المنع على نطاق واسع على المنصات الرقمية المختلفة. مصادرة هذا المؤلف يعيد الحديث مجددا حول الأعمال الأدبية والفكرية التي تصطدم بعراقيل السحب والمنع من ولوج معارض الكتب والنشر، كما هو الحال بالنسبة لرواية «مذكرات مثلية» للروائية المغربية الشابة فاطمة الزهراء أمزكار، التي كان مقررا أن تشارك السنة الماضية بروايتها في الدورة السابعة والعشرين للمعرض الدولي للكتاب والنشر بالرباط، لكنها اخبرت ساعات قليلة قبل افتاح المعرض بإلغاء حفل تقديم وتوقيع كتابها مع السحب من رفوف المعرض. المنع في كثير من الحالات قد يعود بالنفع على العمل الأدبي أو الفكري الممنوع ويجعل القراء يتلهفون في البحث عنه مهما كلف الأمر، وفي زمن الانترنت والشبكات الاجتماعية يصبح منع كتاب ما من طرف السلطات دون جدوى ويتحول إلى إشهار مجاني. في نفس السياق يقول الكاتب الشاب يوسف كرماح صاحب دار النشر «أغورا للنشر» التي صدرت عنها رواية «مذكرات مثلية» في تصريح لجريدة الاتحاد الاشتراكي: «لم يعد هناك أي كتاب ممنوع بكل صراحة مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، لم يعد هناك منع بمعنى أن المنع أصبح محصورا في بعض المعارض، عندما نقول بعض المعارض نقصد المعارض الدولية… في آخر دورة من معرض الكتاب بالرباط كان كتاب مذكرات مثلية ممنوع من العرض وسحب من المعرض». ويضيف الكاتب والناشر يوسف كرماح بأن المنع كان بسبب أن هذا الكتاب كان جريئا جدا ومعظم الذين تصدوا للعمل قرؤوا العنوان فقط، فأثار ضجة وكأن الكتاب يشجع على المثلية، الإشكال الذي تتحجج به المؤسسات والمعارض يمكن أن يفسد الناشئة بحجة أن الأطفال يمكن أن يقرؤوا ذاك الكتاب. أسباب المنع تختلف من كتاب إلى أخر لكن القاسم المشترك بينها هو تجاوزها للخطوط الحمراء، وفي مقدمتها الدخول في عالم الطابوهات، منها المتعلق بالجانب الديني كمؤلف صحيح البخاري نهاية اسطورة للكاتب المغربي رشيد أيلال الممنوع، والذي صادرته السلطات المصرية سنة 2019 في الدورة الخمسين من معرض القاهرة الدولي للكتاب. فالمنع الذي يطال الأعمال الأدبية والفكرية ليس وليد اليوم بل له تاريخ طويل، إذ تعود بنا الذاكرة إلى حقبة السبعينات من القرن الماضي، عندما وجد الكاتب محمد شكري صعوبة في اصدار روايته «الخبز الحافي» فترجمها صديقه الكاتب الأمريكي بول بولز إلى الإنجليزية سنة 1973، فانتظر طويلا إلى غاية بداية الثمانيات لتصل إلى القراء بالعربية، بعد أن ترجمها الطاهر بنجلون إلى الفرنسية، مما سيفسح المجال لهذه الرواية لتصل إلى العالمية بعد أن ترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة. مثال آخر للأعمال الأدبية التي حظيت بالانتشار بعد تعرضها للمنع، هو رواية «كان وأخواتها» للروائي المغربي والمعتقل السابق عبد القادر الشاوي، إذ استطاعت تخطي أسوار السجون لتصل إلى القراء، لكن بعد أسبوع من صدورها سنة 1986، فطنت لها السلطات المغربية فقامت بمصادرتها. الشعر هو الآخر كان له نصيبه من المنع، كما هو الشأن بالنسبة لقصيدة الشاعر « إدريس القيطوني»، الذي قادته قصيدته «شرارة» إلى السجن لما يناهز عقدا من الزمن وكان ذلك في سنة 1982. على مر التاريخ وجدت العديد من المؤلفات صعوبة في الوصول إلى عموم القراء، على المستوى العربي هناك رواية « وليمة لأعشاب البحر» للكاتب السوري حيدر حيدر على سبيل المثال، إذ تعرضت الطبعة الأولى من الرواية والتي صدرت في دولة قبرص عام 1984 إلى المنع من النشر في سوريا لسنوات، لتحدث ضجة بين التيارات الفكرية هناك فور نشرها سنة 2000 بمصر. دائما في سوريا لكن بصيغة نون النسوة، سلوى النعيمي صاحبة رواية «برهان العسل»، التي صدرت سنة 2007 وتصنف ضمن الأدب الإيروتيكي، منعت من النشر في العديد من البلدان العربية نظرا لاقتحامها موضوعا يندرج ضمن الطابوهات. وفي عام 1987 تسببت رواية «سقوط الأمام» لنوال السعداوي، التي اقتحمت هي الأخرى مجالا من المجالات المحظورة، في تعرض مؤلفتها للكثير من المضايقات، والمنع داخليا وخارجيا. الكاتبة السعودية رجاء عبد الله الصانع في عام 2005 أخرجت روايتها الأولى إلى الوجود، «بنات الرياض « لكن هذا العمل هو الاخر اصطدم بحاجز الرفض، من طرف السلطات السعودية فكان مصيره المنع من التداول، وهو نفس المصير الذي واجهته رواية أخرى بهذا البلد، ويتعلق الأمر برواية «مدن الملح» لعبد الرحمن منيف. أوروبا أيضا عاشت تجربة مصادرة الكتب، ولعل أبرز نموذج في هذا الإطار، أعمال الروائي البريطاني جورج أورويل التي تعرضت للمنع في البداية، مثل رواية «1984» و»مزرعة الحيوانات» التي كانت ممنوعة في العديد من الدول حول العالم، غير أن تعرضها للمنع جعل الطلب يزداد عليها من طرف القراء من مختلف بقاع العالم، وأعطاها صيتا عالميا نادرا.