قد لا تسعفني العبارة، ولا تساعدني الكلمة، في أن أقدم شهادة في حق كاتب راسخ، ومبدع ألمعي، بقيمة وقامة عبد الحميد الغرباوي، الذي ما فتئ يباغتنا بإبداعاته السردية الطويلة منها والقصيرة، وهو في كل إبداع تشعر به، كأنه يرتق الجراح، بلغة الحلم، ولذة الانتشاء، وصحو المفردات، يدخلك إلى بحره، لترسو كمرفأ هادئ، تصغي للنبض الساكن في جوى الكلمات، واشتعال الروح وتوقد الرماد في سفر الكون، ونسغ الجمر في دفتر الحكايات، وعبد الحميد في كل ابتكار تحس به، كأنه يجمل الحياة، بألحان سيمفونية ساحرة، تتسلل إليك، بتؤدة وتأن، من صقيع الواقع، وثنايا دروب غائرة في البعد، والأثر في أي جهة تسلكه في المسير، يشدك إلى خيوطه لتهفو كموجة أزلية، تنصت للخفق المبثوث في سنا الحكاية، ووهج الحرف، وانشطار الأكوان الرابضة في تخوم البوح. الكاتب عبد الحميد الغرباوي مبهر، في سرده، يكمن تميزه في السلاسة التي تتمتع بها نصوصه، هذه السلاسة التي تعطي الانطباع على أن الأحداث التي تروى، تأتي زاخرة بالحياة، مليئة بالمغازي، طافحة بالمعاني الخفية، ومترعة بالأبعاد الإنسانية، ويتجلى أيضا تفرده في الشخصيات التي تمتلك شرطها الوجودي، وتكتسب بعدها الواقعي، شخصيات تلتقي بها، في عالمه القصصي، وتأنس إليها، وتألف أنماط عيشها، فتظل معك، ردحا من الزمن، تحفر عميقا في الذاكرة، وتوشم روحك بزخم من الرؤى، وبكثافة من التصورات، وبوارف من الأثر، الذي لا يمحي. يستطيع القاص والروائي عبد الحميد الغرباوي أن يبعث الحياة في الدروب والأزقة، على نحو مدهش، ويزرع الروح في الشخوص بقدر عال من المتعة، خيوط متتالية من الأحداث، تجري بدم فائر، وتمضي بنبض خفاق، كما لو تحدث في الشاشة التي في الواقع، تنقلها عين يقظة، وترسلها يد متقدة، غامرة. يستطيع القاص والروائي عبد الحميد الغرباوي أن يبث دفء الحياة في الحكايات والمصائر، بشكل لافت، ويرفع مقام الوقائع، التي تسير في مجرى الزمن الآني، كأنها شريط سينمائي يدور أمامك- بعنفوان وحدة، أو أشبه ما تكون بؤرة ضوء، تجتذبك، ولا تستطيع الفكاك منها، في الأمكنة المشعة، التي تضم هذا الكم الهائل من الخيوط المتناثرة -أبدا- في سرب الأخيلة الوقادة، أو أشبه ما تكون كذلك، بمنبع شعاع، يأسرك، ولا حيلة لك في التنصل منه، في الفضاءات الرحبة، التي تجمع هذا القدر من السحر المتطاير- دوما- في سماء الأطياف المحمومة المتوهجة… يستطيع القاص والروائي عبد الحميد الغرباوي، أن يفتح قلبه للحكايات، ويخبئها بدفء غامر، في مسام الحياة،ومنافذ الوجود، ثم ما يلبث أن يطلقها صادحة، في الآفاق الرحبة، والمسافات الواسعة…